كان ينبغي أن تصل الرسالة بهذا الوضوح؛ الاكتفاء بحفل لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، كان ليجعل منها مناسبة عادية، لا تحقق الغرض من وراء الجهود الكبيرة التي بذلتها اللجنة المكلفة بإعداد الاستراتيجية.
رعاية الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا العبدالله، كانت رسالة لمن يهمه الأمر، مفادها أن خطة إصلاح التعليم التي تمتد لعقد من الزمن، هي برنامج عمل ملكي لا يقبل المساومة. وترجمت هذه الرسالة كلمة الملكة رانيا.
بدا لي أن معظم الحاضرين في قاعة الاحتفال لم يكونوا على علم مسبق بوجود كلمة للملكة على برنامج الحفل. وقد جاءت الكلمة بالفعل مفاجِئة في مضمونها، وظهر ذلك على وجوه الحضور الذين ذهلوا، ولنقل إن بعضهم شعر بالخجل من واقع التعليم المؤلم.
بالإحصاءات والنسب المقارنة مع باقي دول العالم، عرضت الملكة صورا مؤلمة من واقع التعليم بمراحله المبكرة وصولا للجامعات. وصارحت الحضور، ومن خلالهم جميع المواطنين، بحال مؤسساتنا التعليمية والعاملين فيها.
لكن الحديث الصريح لم يكن خطابا احتجاجيا، بقدر ما كان رسالة تحفيز لكل الأطراف المعنية بالعملية التعليمية، لتدرك ما عليها من مسؤوليات وواجبات في المرحلة المقبلة، وأخذ الخطة العشرية على محمل الجد، وتنفيذ ما جاء فيها من مهام.
كانت كلمة الملكة بمثابة غطاء لمشروعية الخطة، والفلسفة التي تنطلق منها، بوصف التعليم مفتاحا لعملية الإصلاح الشامل، ومن دونه لا يمكننا المراهنة أبدا على المستقبل.
في كلمة رئيس اللجنة وزير التعليم العالي الدكتور وجيه عويس، ومن خلال الفيلم القصير الذي تم عرضه، تعرّف الحضور على الخطوط الرئيسة للخطة. وهي طموحة بالفعل، وتلج المواضيع كافة المتصلة بعملية التعليم في الأردن.
حسب الخطة، سينشأ مركز مستقل لوضع المناهج، وإلى جانبه أكاديمية لتدريب المعلمين. وترتبط مراحل الخطة بجداول زمنية، وآليات قياس الإنجاز، وهيئة متخصصة لمتابعة تنفيذ الخطة.
وتضع الخطة نسبا مستهدفة لرفع نسب الملتحقين برياض الأطفال، والصفوف الأساسية. كما تتناول بالتفصيل الخطوات المطلوبة لتطوير التعليم العالي، ما تعلق منها بتأهيل الأكاديميين وتطوير المحتوى، بالإضافة لنظام القبول الموحد.
وفي كل مراحل الخطة، سيتم الاعتماد على الخبرات الأردنية، إلى جانب الاستعانة بتجارب وخبرات الدول السباقة في هذا المجال.
كان من بين المشاركين في الحفل العشرات من الأكاديميين الطموحين، والسياسيين، ووزراء التعليم السابقين. وقد لمست من نقاشات جانبية سريعة مع بعضهم بعد الاحتفال مدى تفاعلهم مع ما سمعناه في الحفل، وشعورهم بأن فرصة لا تعوض تلوح في الأفق لتغيير الوضع القائم.
في نهاية الحفل، سلم رئيس اللجنة نسخة من تقرير الخطة الاستراتيجية لرئيس الوزراء “لتكون في عهدته منذ اللحظة”، كما قال الدكتور عويس.
سياسيا، فهم الحضور من الخطوة أن د. هاني الملقي هو الرئيس المقبل الذي سيتولى الإشراف على تنفيذ الخطة.
لنضع جانبا حسابات السياسيين والتقاطاتهم؛ فما يعنينا حقا هو أن تتحول الاستراتيجية إلى خطة عمل حكومية. لكن، ولأننا لُدغنا من الجحر عشرات المرات، أعتقد أن من المناسب التفكير بتشكيل مجلس أعلى ملكي يشرف مباشرة على تطبيق الخطة، لأن في الطريق قوى اعتادت وضع العصي بالدواليب، وقد نجحت مرارا في تكسيرها.