بتحوّل حرب النظام الأسدي ضد الشعب السوري إلى حدثٍ تتخطى مجرياته وأهميته دائرته الوطنية المباشرة، وبتطاير شرر هذه الحرب إلى بلدان مجاورة، عربية وغير عربية، وبتدخل إيران المبكر الذي نقلها إلى الإقليم، وبصراع أميركا وروسيا الذي أدخلها إلى المجال الدولي، شهدت المعضلة السورية تحولين مفصليين، هما:
أولاً، انضواء ثورة السوريين من أجل حريتهم في صراعٍ حدّه الأول نضال شعبي/ وطني، من أجل نظام جديد يبنى على مفردات إنسانية وثورية، يؤسّس على الحرية، مبدأ احتضن دوماً الحداثة والعدالة والتقدم. وحدّه الثاني شمولية استبدادية تجسّدها سياسياً الأسدية، ومذهبياً نظم عديدة: عربية وإقليمية. هذا التناقض، بالاصطفافات المتناقضة عربياً وإقليمياً ودولياً، التي ترتبت عليه، أضفى أهمية مفصلية، تتخطى المكان السوري على ثورةٍ بدأت محض سورية، وأكسبها سماتٍ تشبه التي عرفها صراع تاريخي/ كوني، محوره الإنسان ككائن يتعيّن بالحرية: مقصد شعب يريد نمطاً من العيش، ركيزته المواطنة المتساوية والعدالة، منفتح على أعظم قدر من التجدّد الإنساني الذي يعينه على فك أغلال عبوديةٍ تجسّدها زمر استبدادية متحكّمة، تستند على تكويناتٍ دنيا وما قبل مجتمعية، هي الطوائف التي حدّثتها أمنياً، وفرضت من خلالها قيمها وممارساتها المعادية للإنسان، وواجهت أمنياً وطائفياً ثورة الحرية بثورةٍ مضادةٍ، أخضعت جميع السوريات والسوريين لأنواع شتى من العنف، وعملت لجرّهم إلى صراع هوياتٍ مذهبي، يبطل ما بينهم من أواصر وطنية وإنسانية، تاريخية وراهنة، ويحول شعبهم الواحد إلى اقلياتٍ مقتتلة، يمهد صراعها لتفجير حروبٍ عربيةٍ/ إقليمية، من الضروري أن تنتشر من سورية إلى المنطقة، ويحفز إنشاء (وصعود) تنظيمات إرهابية معادية للحرية وللمقاتلين من أجلها، تقضي من جانبها على التطلعات الثورية لدى شعوب المنطقة، وتحرقها بنيران اقتتالٍ مذهبيٍّ بين هوياتٍ متنافية، لا يوفر مواطناً أو جماعة أو دولة.
بهذه الأبعاد، تلزم ثورة الحرية كل عدو للاستبداد السياسي والاقتتال المذهبي بالانتماء الطوعي إليها، وبالانخراط فيها، وإن لم يكن سوري المولد، ما دام أن انتصار الثورة المضادة الأمنية والمذهبية لن يقضي على تطلعاته وحدها، بل سيقضي، أيضاً، على حقه في الحياة والكرامة، حتى إن وقف، كشخص، على الحياد، وامتنع عن تأييد ثورة الحرية في سورية، مع أن عائدها الإيجابي لن يقتصر على السوريين، بل سيطاول كل مواطنٍ على امتداد المنطقة. لذلك، لا بد أن يعتبر كل محبٍّ للحرية نفسه سورياً، وأن ينضم إلى الثورة، ويدافع عنها كأي واحدٍ من أبنائها، داخل ميدانها السوري المباشر وخارجه، ويواجه الثورة المضادة مناطقياً وإقليمياً ودولياً، كعدو يلزمه واجبه تجاه نفسه وشعبه بالنضال ضده، ليكون انتصار الحرية في سورية انتصاراً شخصياً له ولشعبه، ولكل رافض للذل والمهانة.
ثانياً: بتركيز قوى الثورة المضادة جهودها على سورية، وبقتالها لإنزال هزيمةٍ بثورتها، تكون، في الوقت نفسه، هزيمة للحرية في كل مكان، يستطيع أنصار الحرية خوض معركتها في البلدان التي حولها تدخل حكامها في سورية إلى ساحةٍ أخرى للمعركة ضد الاستبداد التي يعني خوضها مواجهة الثورة المضادة الموحدة، وتشتيت قواها من خلال وحدة الثوار العابرة للحدود، وتركيز جهودهم على تبديل علاقات القوة بينهم وبين قوى الثورة المضادة، وخصوصاً في إيران، مركز الثورة المضادّة الإقليمية ومحركها المذهبي والطائفي.
تستوطن الحرية قلوب الأحرار وعقولهم، قبل أن تقيم، بتضحياتهم والتزامهم الثوري/ الإنساني، وطناً للحرية، يكون وطناً لكل طالب لها، وثائر من أجلها، ولكل عدو للاستبداد والظلم يربط مصيره بمصير مركزها السوري، ويؤمن أن من يقصر في الدفاع عن سورية وشعبها اليوم، يخون شعبه ونفسه، اليوم وغداً.