عروبة الإخباري – اعتبر رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور عدنان أبو عودة، أن الحروب الدائرة حاليا في الشرق الأوسط، لا تماثل أية حروب أخرى من حيث طبيعتها وأسبابها، وأوضاع الأمة العربية في الوقت الراهن أسوأ من حالها عقب حرب حزيران (يونيو) 1967.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها أبو عودة في جامعة فيلادلفيا الأربعاء الماضي، بدعوة من جمعية الأكاديميين الأردنية، لبحث أبرز قضايا الساعة المتمثلة في النزاع الدموي المحتدم منذ خمسة أعوام في منطقة الشرق الأوسط.
واختار الدكتور أبو عودة أن يلجأ إلى أسلوب المقارنة، في محاولة لفهم الحروب الدائرة الآن في المنطقة، مستشهدا بالحرب الفيتنامية التي شاركت فيها أميركا مباشرة والاتحاد السوفيتي آنذاك بالوكالة، وكذلك الصين وفيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية، فيما كان أبرز اللاعبين غير الرسميين منظمة الفيتكونغ.
كما استشهد بحرب يوغسلافيا سابقا العام 1991 بعد نهاية الحرب الباردة، واستمرت حتى العام 2001، كانت حربا عرقية وقعت بين شعوب يوغسلافيا التي كانت تتشكل من عدد من الجمهوريات، وانتهت بتحول يوغسلافيا الى جمهوريات مستقلة.
أما المثال الثالث الذي ساقه فكانت ساحته الكونغو، عبر الحرب التي اصطلح على تسميتها الحرب العظمى الأفريقية، التي استمرت من العام 1998 حتى العام 2003، ووُصفت بالحرب الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية، وشاركت فيها 10 دول أفريقية ومجموعات مسلحة من القبائل، ومن أبرزهم الهوتو، الذين حشدهم الرئيس الكونغولي كابيلا في شرق الكونغو، الامر الذي استفز رواندا وأوغندا اللتين قامتا بغزو الكونغو عام، وأودت بحياة 5 ملايين إنسان، ووقع فريسة الاغتصاب فيها عدة ملايين من النساء والفتيات.
وأوضح الدكتور أبو عودة أن “الحرب الأخيرة التي نحن بصددها هي الحرب القائمة منذ 5 سنوات في الشرق الأوسط وبين ظهرانينا، وتمتد من ليبيا غرباً الى العراق شرقاً، ومن الحدود التركية السورية شمالا الى اليمن جنوباً، وهذه الحرب شبيهة بالحروب الثلاثة السابقة من حيث عدد اللاعبين”.
وقال: “كانت بداية هذه الحرب امتدادا لما سمي الربيع العربي، وبالتدريج تحولت من الأهداف التي طرحت في الربيع العربي وقوامها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة، إلى الحرب على الإرهاب، كما نجحت في تحويلها قوى الأمر الواقع، وظهرت منظمة داعش تدعم هذا الانحراف في الفهم والنضال”.
وأضاف أن “أهمّ ما في هذه الحرب أنها أزاحت القضية الفلسطينية من الواجهة، كما أنّ وحشية القتال وحجم التدمير قزّما ما فعلته وتفعله إسرائيل مع الفلسطينيين، وما يشغل بالي أكثر أن ما يجري اليوم في المنطقة، في سورية والعراق بصورة خاصة، من عمليات تهجير جماعية، وهندسة ديمغرافية جديدة، ومن موجات لملايين اللاجئين، كل ذلك ستستخدمه إسرائيل لتبرير ما قامت به سابقاً، وما يمكن أن تقوم به مستقبلاً ضد الفلسطينيين”.
وزاد: “ولأن داعش قامت بعمليات إرهابية فعلية خارج ساحة القتال في منطقتنا، فقد أكدت بتدخلها مفهوم مكافحة الإرهاب ليحل نهائيا وحتى هذه اللحظة محل مكافحة السلطوية وتوابعها من المفاهيم، وغاب عن الشعوب العربية هدف النضال من أجل الديمقراطية والمواطنة والعدالة الاجتماعية، ومضت قوى الأمر الواقع بتشويه الصورة الى حد اعتبار بدايات الربيع العربي مؤامرة دولية على الأنظمة السلطوية”.
وأضاف “وزاد الامر سوءا حينما دخلت الميدان أميركا وروسيا، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن، يتمتع كل منهما بحق الفيتو، الأمر الذي أغلق الطريق على قيام الأمم المتحدة بدورها في حماية الشعوب المسكينة، التي تتعرض للقتل والجوع والمرض بسبب هذه الحرب، ولم تخل الساحة العربية من بقايا اليسار المنغلق، الذي لم ينفتح أمامه الأفق العالمي، وبقي محكوماً بالمفاهيم التي سادت في حقبة الحرب الباردة، وأصاب العفن أفكارَه، ولم يستوعب بعد ماذا جرى في هذا العالم بعد انتهاء الحرب الباردة”.
وقال إنه “حتى نتمكن من فهم ما جرى من انحراف بعد الربيع العربي، وبهذه السرعة، لا بد من مراجعة واقع الدول العربية منذ بداية عهد الاستقلال في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا”.
وأضاف أن أميركا ذلك تريد “استعادة حصتها من الغنائم التي تنازلت عنها بعد الحرب العالمية الأولى، أيام الرئيس وودرو ويلسون، الذي كان ضد الاستعمار، ومع حقوق الإنسان، فرفض أن يأخذ حصة أميركا من مستعمرات المانيا في أفريقيا وجنوب شرق آسيا نتيحة هزيمتها في الحرب التزاماً منه بمبادئه، فأعدت أميركا نفسها لهذا الهدف (استعادة حصتها من الغنائم) بأن أنشات في اجتماعات Bretton wood البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وذلك لاسترجاع حصتها من خلال الاقتصاد والمال”.
وتابع: “حينما تم الاستقلال في الأردن وسورية ولبنان وعدد آخر من الدول، ووُجِهت النخب في هذه الدول بمشكلة ما هو النظام الذي سيتبعونه للحكم، ولكن حيرتهم ما لبثت أن زالت حينما قرروا أن يقلدوا حكم المستعمر في بلده، وهكذا أصبح الأردن ملكية مثل بريطانيا وكذلك العراق ومصر، بينما أصبحت سورية جمهورية وكذلك لبنان”.
وأضاف أن الانقلابات في العالم العربي قامت بعمل مشترك واحد وهو “حظر العمل الحزبي، أي إنهاء التعددية، وهي الركيزة الأولى للديمقراطية، وبقي الحال كذلك مع حيلة إنشاء الحزب الواحد في الجمهوريات العسكرية حتى يومنا هذا، ما عدا الأردن الذي سبق غيره في رفع الحظر عن الأحزاب 1992”.
وقال: “بنظرة دقيقة للواقع العربي منذ عهد الاستقلال حتى يومنا هذا يمكننا رصد سببين رئيسيين للتخلف العربي:
الأول هو حكم العسكر العربي، الذي ألغى التعددية، وبالتالي سدّ الطريق أمام إقامة دولة المواطنة وحكم القانون، ولأنّ العسكري الانقلابي يخشى أكثر ما يخشى نظيره العسكري لكي لا يقوم بما قام هو به، نشأت ظاهرة سياسة التقرب والتقريب، أي المحكوم يتقرب من الحاكم القوي”.
وأضاف أن السبب الثاني هو “فشل العرب في دعم وصيانة منظمتهم الإقليمية، اي الجامعة العربية، وكان السبب الرئيس في رأيي أن الدول العربية حاولت أن تجعل من الجامعة نقطة بداية للوحدة العربية، التي فُهم منها قيم دولة عربية واحدة بقيادة واحدة، وكانت الفكرة أقرب الى الوهم لأن الوحدة العربية كما فهمتها النخب العربية الحاكمة هي تنازل الحاكم ونخبته الحاكمة ونقله لحاكم عربي آخر، وهذا امر غير معقول وأقرب إلى الخيال”.
وقال: “كان من المفروض أن يكون الشعار العربي الجامع، إقامة تكامل اقتصادي عربي، الذي يطمئن الحاكم الواحد أولا على بقائه ويثير فيه الرغبة للانتفاع من التكامل الاقتصادي لشعبه وبلده، وهكذا عملت الجامعة العربية على بناء الفرقة وزرع المخاوف بين الدول بدل التقارب والتعاون”.
وأضاف أبو عودة: “حينما ننظر الى الوضع اليوم نجده اسوأ ممّا كان عليه عشية حرب حزيران، وأعراض الخراب هي: تردي الجامعة العربية لأنها انقسمت في ولائها بين القوى العربية المتحاربة، وإجهاض الربيع العربي، الذي شاركت فيه قوى أجنبية، مثل إيران وتركيا وروسيا وأميركا، وغابت الأمم المتحدة المنظمة الدولية المسؤولة عن انشاء السلام وحفظه في العالم عن المسرح، مثلما غابت الجامعة العربية كمنظمة إقليمية”.
كما كان من أسباب التردي، وفق أبو عودة “غياب دولة المواطنة العربية، وهو ما أيقظ في جو الخوف السائد الهويات الفرعية، والتخلف الفكري الناجم عن التربية في البيت والمدرسة، والمتمثل في غياب مبدأ السببية، والفكر المستنير، الذي صنع التقدم في العالم، ووضع الفشل على عاتق المتآمرين”
وقال إن الإقليم “أنتج الآن في هذا الجو الرجراج 3 دول مؤثرة هي: إسرائيل، وتركيا، وإيران، وغابت الدول العربية كقوة مؤثرة، بل إن دولة عربية واحدة تتمتع بالنفوذ وقوة التأثير ما عادت موجودة”، مشيرا إلى أنه “حينما ننظر الى الوضع اليوم نجده أسوأ ممّا كان عليه عشية حرب حزيران”.
أبو عودة يتحدث عن أحداث الشرق الأوسط ومخرجاتها المحتملة
16
المقالة السابقة