لم يعد خافياً على أحد أن أكبر المتضررين من الأحداث التي ألمت بسوريا منذ خمس سنوات هي الأكثرية السنية المسلمة التي تعاني من ظلم النظام منذ عقود لأساب طائفية ومذهبية لا ينكرها سوى مكابر.
وعندما اندلعت الثورة السورية، فقد كان أبناء الأكثرية المسلمة هم قادتها على اعتبار أنهم أكبر المتضررين من النظام. بعبارة أخرى، فإن الثورة كانت انتفاضة ضد الأقلية المتحكمة بالسلطة منذ عقود لتصحيح وضع الأكثرية، كما يجادل قادة الثورة المحسوبون على الأكثرية السنية المسلمة. إذاً، فإن الثورة أو سمها ما شئت كانت ثورة الأكثرية ضد الأقلية.
ومن ينكر هذا الكلام أو يتهمنا بأننا نمارس التحريض، عليه فقط أن يقرأ أدبيات وخطاب الثوار السنة الذين يعتبرون من يسمونه بالنصيرية عدوهم الأول في سوريا، ولا بد من تحجيمهم أو القصاص منهم. هذا هو الخطاب الذي نسمعه ونقرأه في وسائل الإعلام الناطقة باسم الثورة والكثير من الفصائل الإسلامية التي تواجه النظام. وبدورها فإن وسائل الإعلام الناطقة باسم النظام ومؤيديه، فهي تعتبر المعارضين لها ثلة من التكفيريين والإرهابيين، اي أنها تمارس نفس الخطاب الطائفي ضد المعارضين.
الأول يصف النظام بالنصيري، والنظام يصف المعارضين بالتكفيريين كناية عن كونهم إسلاميين متطرفين. بعبارة أخرى، فإن النفس الطائفي الصادر من الطرفين واضح للعيان، وليس من اكتشافنا أو محاولة من طرفنا لصب الزيت على النار أو إيقاظ الفتنة النائمة كما قد يتهمنا البعض.
تعالوا الآن ننظر إلى نتيجة الصراع بين الأكثرية المظلومة، والأقلية الحاكمة كما تصفها الأكثرية. فلو نظرنا إلى حجم الدمار العمراني الذي نتج عن الصراع نجد أنه في معظمه وقع في مناطق الأكثرية الثائرة، فكل المدن والمناطق التي ثارت على النظام، تحولت إلى ركام، وتشرد أهلها بالملايين داخلياً كنازحين، وخارجياً كلاجئين. ويكفي أن نشير هنا إلى أن أكثر من مليون مسلم سني تشرد من مدينة حمص فقط، بينما ظلت أحياء الأقليات عامرة. انظروا إلى محافظة حلب وما حل بها، وإلى ريف دمشق، ودرعا، ودير الزور، وريف حماة، كل تلك المناطق لم يبق فيها حجر على حجر إلا ما ندر، بينما تحول سكانها إلى ضحايا في الداخل والخارج.
يجادل المدافعون عن النظام بأن المناطق التي تعرضت للدمار والتهجير هي فقط المناطق التي دخلها الإرهابيون، بينما المناطق التي لم يدخلها المسلحون ظلت عامرة بأهلها. لا بأس. فلو قبلنا بهذا الرأي على علاته، فهذا لا ينفي أن الدمار حصل، وأن الأكثرية السنية المسلمة هي أكبر ضحايا الثورة. صحيح أن طائفة النظام فقدت عشرات الألوف من شبابها بسبب الحرب، بحيث وصفتها الصحف الغربية بطائفة بلا رجال، لكن الساحل السوري، لم يتضرر فيه بيت واحد للدمار، وليس هناك نازح أو لاجئ واحد علوي لا في الداخل ولا في الخارج، بينما وصل عدد النازحين واللاجئين من الأكثرية السنية إلى أكثر من اثني عشر مليوناً.
واللافت في الأمر أن القوى الدولية والإقليمية لا يهمها هذا الأمر كثيراً، حتى لو تدمرت كل مدن الأكثرية، وتشرد أهلها جميعاً، ولم يبق في سوريا إلا أبناء الأقليات، بدليل أن القوى التي تدعم الفصائل التي تقاتل ضد النظام ممنوع عليها منعاً باتاً مهاجمة منطقة الساحل معقل النظام أو تهديد أهلها، وكلما وصل الثوار إلى تخوم الساحل، وقع حادث كبير لحماية مناطق الأقليات ومنع الثوار من الاقتراب منها، إن كان في الساحل أو في الجنوب. لقد منعت القوى الدولية أي اعتداء أو هجوم على مناطق الأقليات في الساحل والجنوب. ولا بأس أبداً، لكن السؤال: لماذا سمحت بتدمير مناطق الأكثرية فقط؟ لماذا انحصرت المعارك هناك، بينما منع العالم أي معارك في مناطق الأقليات؟ وهذا طبعاً ليس تحريضاً، لكنه سؤال بحاجة لإجابة، خاصة وأن كل الدم السوري واحد، وليس من المعقول قتل سوري وحماية آخر على أساس طائفي.
والسؤال الأهم الذي يجب أن يوجه للفصائل التي تدعي أنها تمثل الأكثرية السنية المظلومة: لماذا تقبلون بالقتال على أرض أهلكم ومدنكم، فتدمرونها وتشردون أهلها من خلال معارككم مع النظام، بينما تقبلون بالأوامر التي تأتيكم من الخارج وتمنعكم من الهجوم على الساحل وغيره من مناطق الأقليات؟
ما شاء الله على هذا الدعم الخارجي الفظيع للثورة السورية، وكأن الداعمين يقولون للثوار: سندعمكم حتى تدمروا كل مناطقكم بشرط ألا تقتربوا من مناطق النظام. لعبة مفضوحة، لكن المحزن أن ممثلي الأكثرية من الثوار مازالوا يلعبونها رغم ما جلبت لأهلهم ومناطقهم من دمار وخراب وتهجير. من المعلوم أن النظام يقاتل خارج أرضه، ولا يخسر إلا مقاتلين في اسوأ الأحوال، بينما الثوار يواجهون النظام في مناطقهم حصراً، مما يؤدي ليس فقط إلى استنزافهم بشرياً وعسكرياً، بل يؤدي أيضاً إلى حرق مناطقهم وتحويل الملايين من أهالهم إلى مشردين داخل البلاد وخارجها. لماذا تستمرون في هذه اللعبة الخطيرة إذا كان ممنوعاً عليكم اللعب في ملعب الخصم، أو مجرد الاقتراب منه؟