عروبة الإخباري – ضمن لقاءاته الفكرية الأسبوعية، عقد منتدى الفكر العربي في مقره، مساء الثلاثاء 30/8/2016، ندوة حوارية خاصة بعنوان “التعليم العالي … إلى أين”، تحدث فيها أ.د. عصام زعبلاوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق وخبير التعليم العالي في الاتحاد الأوروبي، بمشاركة أ.د. محمد حمدان غنيمة وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الأسبق أيضاً، وأدارها وشارك فيها د. محمد أبوحمّور الأمين العام للمنتدى ووزير المالية الأسبق. وناقشت هذه الندوة عدداً من التحديات الحالية والمستقبلية لقطاع التعليم العالي وارتباطه بقضايا التنمية المستدامة من الجوانب الأكاديمية والبحثية والإدارية.
كلمة د. محمد أبوحمّور
في كلمته التقديمية أشار د. محمد أبو حمور إلى أن هذه الندوة تأتي في إطار اهتمام المنتدى الدائم بقضايا التنمية المستدامة، والتعليم عموماً والتعليم العالي خصوصاً مما يعد أحد أهم أركان هذه التنمية؛ ذلك أن التعليم في جميع مراحله مرتبط بالعنصر الأساس فيها وهو الإنسان وقضية بناء الإنسان القادر على مواكبة العصر، والقيام بمهامه ودوره في بناء المجتمع وتقدمه.
وقال د. أبو حمور: إن التغيرات في العالم على المستويات كافة في مطلع الألفية الثالثة وخلال السنوات الأخيرة في الوطن العربي، فرضت إعادة النظر في أساليب التفكير والتعامل مع معوقات الإصلاح والتغيير الإيجابي باتجاه المستقبل الآمن للإنسان العربي، وفي هذا الإطار كان لا بد من تطوير منظومة التعليم لتأخذ دورها الفاعل في التخطيط لهذا المستقبل الذي نريد؛ مشيراً إلى أن منتدى الفكر العربي وبتوجيهات من رئيسه صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال بادرَ مبكراً منذ أكثر من (30) ثلاثين عاماً إلى النهوض بمشروع كبير تحت عنوان “مستقبل التعليم في الوطن العربي”، شارك فيه العديد من المفكرين والخبراء والاختصاصيين العرب وغير العرب، وأثمر نتائجَ ودراسات ما تزال تشكل مرجعية لتطوير التعليم والوصول به إلى تعليم نوعي، بوصفه الطريق إلى النهضة الحقيقية للأمة وشعوبها وبلدانها، والاعتماد على استثمار الطاقات البشرية والتأهيل والتدريب، وتعزيز البحث العلمي، وكذلك الاستثمار في التكنولوجيا والاستفادة من إمكاناتها إلى أقصى حد ممكن.
كما أشار إلى ما تضمنه “الميثاق الاقتصادي العربي” الذي أطلقه المنتدى في العام 2015 من أن التوسع الكمّي المتسارع في التعليم الأساسي والجامعي قد أدى إلى التراجع في نوعية التعليم، وبالتالي انخفاض المردود الاقتصادي والاجتماعي للكتلة المتعلمة، وقصور المؤسسات التعليمية عن أن تكون جزءاً من البنية الداعمة للاقتصاد، وعدم حُسن تقسيم العمل وتوفير القوى العاملة المتخصصة، والفجوة الواسعة بين الأكاديميا والقطاعات الاقتصادية الاجتماعية.
وأكد د. أبو حمور أن هذه المشكلات أفرزت فجوات عميقة في الأمن المجتمعي والإنساني وازدياداً في حدة أزمات البطالة والفقر والأمن المجتمعي، التي ظهرت خطورتها واضحة مع نشوب الاضطرابات في مرحلة الربيع العربي، وحذر من أن أسباب الخطر ما تزال قائمة ما لم نتداركها باستراتيجيات إصلاحية شاملة، وفي مقدمتها استراتيجية تطوير التعليم والتعليم العالي، وتفعيل الاستراتيجيات التي سبق وضعها في هذا المجال، وعدم تركها رهناً للسياسات الآنية؛ مشيراً إلى ضرورة تأكيد المزايا التي تتيحها التكنولوجيا الرقمية، وإيجاد بيئات البحث العلمي، وبلورة برامج رعاية الإبداع والابتكار والريادية، التي هي عناصر أساسية في إصلاح المنظومة التعليمية كما دعا إلى ذلك المؤتمر الدولي الذي عقده المنتدى بالتعاون مع مركز البحوث للدراسات والاستشارات الاجتماعية بلندن، في نيسان الماضي، تحت عنوان “الاتجاهات المعاصرة في مؤسسات التعليم … إصلاح وتطوير”، والذي أكد في توصياته أهمية الربط بين متطلبات التنمية وتحسين نوعية مخرجات التعليم العالي، وإزالة المعوقات الإدارية التي تحول تطوير سياسات تنمية الموارد البشرية.
وشدد د. أبو حمور في هذا المجال على ضرورة التوازن والانسجام بين الجوانب الإدارية والأكاديمية في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، التي تعد مشكلة طغيان الجانب الإداري على الجانب الأكاديمي والبحثي عائقاً يحول دون إنتاجيتها وأداء دورها الأساسي، ويجعلها بيئات طاردة للقدرات العلمية في بعض الأحيان.
محاضرة أ.د. عصام زعبلاوي
من جهته تناول أ.د. عصام زعبلاوي في محاضرته أربعة محاور رئيسة تشكل المشهد الحالي والمستقبلي لأوضاع التعليم العاليوقضاياه؛ مركزاً أولاً على التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العاليوالجوانب المرتبطة بها، التي تشملالاقتصاد المعرفي، والعولمة، والوضع الديموغرافي، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والإبداع، واحتياجات سوق العمل.
وبيّن د. زعبلاويأن هذه التحديات إذا تم التعاملمعها بمهارة ومهنية عالية واقتدار تصبح محفزات،كما أن هذه التحديات لها أثرها على رسالة الجامعة وتحولها من واقعها الحالي إلى أطر التعلم والإبداع وقيادة المجتمع.
وضمن المحور الثاني تحدث د. زعبلاوي عن ظاهرة توجّه مؤسسات التعليم العالي في العالم نحو استخدامتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وتطوير ما يسمّى التعليم الإلكتروني أو الرقمي؛ مبيناً السياسات التي اتبعتها الجامعات المرموقة والعالمية لتحقيق ذلك،وموضحاً أثرذلك على بيئة التعلم من ناحية الشكل والمضمون والمخرجات وانعكاس ذلك على دور المعلم و المتعلم على حد سواء.
وأشار ضمن المحور الثالث إلى أن معظم دول العالم تعمل على تطوير وتطبيق إطار وطني لمنح الشهادات والدرجات العلمية بغرض الحصول على الاعتماد والاعترافالدوليين، وتمكيين الخريج من متابعة مسيرته العلمية والعملية وتطوير العلاقاتوالبرامجالمشتركةوالتعاون البحثيبين المؤسسات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. كما أشار إلى بعض جوانب مشروع الإطارالوطني للشهادات والدرجات الذي هو قيد الإعداد الآن بالتعاون بين عدد من الجامعات الأردنية والاتحاد الأوروبي من خلال مكتب إيراسموس بلس(Erasmus+) في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وأوضح د. زعبلاوي أن معظم الجامعات المرموقة في العالم قد طوّرت برامجها وخططها وبيئتها نحو تعزيز المخرجات (Learning Outcomes)؛ مبيناًأن المخرجات تنمو وتتطور في أربعة اتجاهات وهي:المجال العرفي متضمناً: التذكر والفهم والتطبيق والتحليل و التركيب، والمجال العاطفي متضمناً: الميول و الاستقبال والاستجابة والتقدير والتصور والتنظيم والذاتية،والمجال الحركي النفسيمتضمناً: المحاكاة والمناورة وزيادة الدقة/ الحرفنة والربط، ثم مجال التفاعل البيني مع الآخرين متضمناً: التلخيص وعدم الموافقة وإخراج عنصر أوإدخال عنصر جديد،والبناء والتدعيم، والتقديم والعرض والطلب أو إعطاء المعلومات.
وختم محاضرته بالدعوة إلىضرورة التركيز من جميع المعنيين على تطوير الجوانب المختلفة التي تمكننا من تقديم الأردن كمركز متقدم في مجال التعليم العالي على المستويين الإقليمي والدولي.
تعقيب أ.د. محمد حمدان
ركز د. محمد حمدان في تعقيبه حول مستقبل التعليم العالي على المحور المتعلق بالموارد البشرية، باعتباره من أهم المحاور التي تناولها الاستراتيجية الوطنية الأردنية للتعليم العالي؛ مؤكداً ضرورة اعتماد أسس الكفاءة والجدارة في تعيين أعضاء هيئة التدريس والموظفين في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وتنفيذ برامج تدريبية لأعضاء هيئة التدريس والموظفين الجدد،وكذلك برامج تدريبية لأعضاء هيئة التدريس المكلفين بمهام إدارية قيادية لأول مرة، مثل نائب رئيس، عميد، نائب عميد، رئيس قسم، مع ضرورة تقييم أداء عضو هيئة التدريس بصورة دورية من قبل رئيس القسم والعميد، وأيضاً تقييم الطلبة.
وشدّد د. حمدان على ضرورة تنفيذ برامج تدريبية لأعضاء هيئة التدريس الذي يتبين تدني مستوى أدائهم سواء من حيث المعرفة الاكاديمية أو الكفاءة التربوية، والتوسع في إعداد أعضاء هيئة تدريس جدد أكفياء من خلال الإيفاد الى جامعات عالمية مرموقة، والالتزام بإنهاء خدمة عضو هيئة التدريس الذي لا يحقق شروط الترقية خلال المدة الزمنية المحددة في القانون.
وفيما يتعلق بالطلبة قال د. حمدان: إن هناك حاجة إلى تحديد عدد المقبولين بما يتفق مع معايير الاعتماد العام والاعتماد الخاص، وضرورة أن تكون القبولات الخاصة من خلال لجنة تنسيق القبول وفق أسس معتمدة، مع التحاق طلبة القبولات الخاصة ببرامج تقوية استدراكية ونجاحهم فيها قبل التسجيل في مواد الخطة الدراسية لدرجة البكالوريوس.
ودعا د. حمدان إلى التوسع في برامج الأنشطة الطلابية (الاجتماعية، الثقافية، الرياضية، الفنية) والسعي إلى شمول العدد الأكبر من الطلبة، وإبقاء ابواب الإدارة العليا للجامعة وأبواب مسؤولي شؤون الطلبة مفتوحة أمام الطلبة لعرض قضاياهم ومشاكلهم مباشرة، وبالتالي فتح باب الحوار حول هذه المشاكل وصولاً إلى الحلول المنطقية التي تحفظ حقوق الطلبة ولا تتعارض مع المصلحة العامة للجامعة.
كما دعا إلى تفاعل أعضاء هيئة التدريس والإدارة الجامعية (الرئيس، النواب، العمداء، رؤساء الأقسام، مديرو المراكز، مديرو الدوائر الإدارية) مع الطلبة من خلال التواصل الميداني معهم في الحرم الجامعي، وعقد برنامج للطلبة المستجدين، خلال الفصل الأول من إلتحاقهم بالجامعة، لتوعيتهم بمبدأ التعاقد بينهم وبين الجامعة وفق أسس وشروط وقواعد سلوك محددة في دليل الطالب وتعليمات منح درجة البكالوريوس (أو الماجستير أو الدكتوراه)، مع التركيز من خلال هذه التشريعات على حقوق الطلبة وواجباتهم بموجب هذا التعاقد، واعتماد مبدأ العدالة المطلقة في تطبيق الأنظمة والتعليمات واللوائح والأسس الجامعية (الأكاديمية والإدارية والمالية) على جميع الطلبة دون أي تحيز أو تمييز، وبخاصة في تطبيق الأنظمة التأديبية بشكل صارم.
د. زعبلاوي: تحديات التعليم العالي يمكن تحويلها إلى فرص محفزة للتعلم والإبداع وقيادة المجتمع
15
المقالة السابقة