سارعت وسائل إعلام مؤيدة للمعارضة السورية، وداعمة للعملية العسكرية التركية في سورية، إلى التقليل من شأن سقوط ضحايا مدنيين جراء القصف التركي لقرى محيطة بمدينة جرابلس.
المرصد السوري لحقوق الإنسان قال في بيان له إن 35 مدنيا سورياً قتلوا في الغارات التركية. وسائل إعلام عربية حاولت تبرير سقوط هذا العدد من المدنيين بالقول إن “قوات سورية الديمقراطية” (جماعة كردية مسلحة)، اتخذت من هؤلاء المدنيين دروعا بشرية لتفادي قصف الطائرات التركية.
وسائل الإعلام ذاتها عادة ما لا تبحث عن مثل هذه المبررات لمقتل المدنيين عندما يتعلق الأمر بغارات المقاتلات الروسية أو السورية، أو حتى قوات التحالف الدولي، لا بل تحرص على التأكيد بأن كل من يقتل بتلك الغارات هم من المدنيين.
لست بصدد تبرئة الروس أو قوات النظام وطلعات التحالف الدولي من دماء الأبرياء في سورية؛ على العكس، فكل تلك الأطراف متورطة حتى رأسها بسفك دماء السوريين، في سبيل تحقيق أهدافها بالقضاء على خصومها في الميدان.
لكن التغطية المنصفة والمتوازنة تستدعي الانحياز للمدنيين في كل الأحوال، ومن دون أدنى اعتبار للفاعلين؛ أتراكا كانوا أم روساً وأميركيين.
ودخول تركيا ميدان الحرب في سورية لم يحمل سوى تأكيد جديد على أن السوريين الأبرياء هم الطرف الذي يدفع الثمن لهذه التدخلات.
تقول تركيا إنها لن تمكث طويلا في شمال سورية. لكن الوقائع الميدانية ربما لن تتيح لها الانسحاب السريع، وهو ما اضطرها للدفع بقوات إضافية في الأيام الماضية.
روسيا رددت مثل هذ الكلام عندما دفعت بقواتها لميدان المعركة، غير أن أوامر العمليات امتدت إلى يومنا هذا، ولأجل غير معروف. إيران وحزب الله فعلا الشيء ذاته، وما يزالان غير قادرين على تخليص نفسيهما من المستنقع.
مصير المغامرة التركية في سورية لن يكون أفضل من سابقاتها. بمجرد أن وضع أول جندي تركي قدمه على الأرض السورية، لن يتمكن من سحبها بسهولة. الانسحاب في ظل استمرار حالة الحرب، يعني إمكانية عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التدخل العسكري؛ فما الذي يمنع المسلحين الأكراد من العودة مجددا إلى الشريط الحدودي بعد رحيل الدبابات التركية؟!
وتركيا لا تخفي نيتها إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية. كيف يمكن إدامة الاستقرار في هذه المنطقة من دون قوات عسكرية على الأرض؟
وثمة وسائل إعلام تتغاضى عن كون التدخل التركي في سورية تم بموافقة روسية وأميركية. فما كان لأنقرة أن تقدم على هكذا خطوة من دون تنسيق مسبق مع اللاعبين الرئيسيين في سورية. والموافقة الروسية على وجه التحديد لن تكون بلا ثمن في المستقبل.
إنها لعبة المصالح المتبادلة، وضحيتها آلاف من السوريين الأبرياء. والمفارقة المأساوية أن سنوات الحرب في سورية أثبتت بالأدلة القاطعة أنه ما من أحد قادر على كسب الحرب.
التدخل التركي لن يحدث فرقا؛ فقط نخب جديد من الطائرات تنضم لسواها من المقاتلات التي تفتك بالسوريين الأبرياء. هل يعي الإعلام العربي هذه الحقيقة؟