هناك إجماع على أهمية السعادة ونشر الروح المعنوية العالية، وأثرها الإيجابي في التعليم بصورة خاصة، وفي حياة الطلاب عامة، لكن الخلاف بين الخبراء التربويين يدور حول كيفية نشر السعادة بين الطلاب، وهل يكون ذلك من خلال إضافة مادة دراسية جديدة اسمها «السعادة»، أم أن القيام بذلك سيفرغها من جوهرها، ويجعلها مادة للاختبار مثل بقية المواد، ويكون سبباً في المزيد من الضغوط التعليمية، وبالتالي إلى التعاسة بدلاً من السعادة؟ من المؤكد أن البعض يرى قيام المدرسة بمهمة نشر الرضا والروح المعنوية المرتفعة والسعادة بين الطلاب يكلفها ما يفوق قدراتها، لكن النظريات الحديثة توضح أن الشعور بالرضا والسعادة لا يقوم على الاسترخاء والخمول، بل على العكس من ذلك تماماً، فإن بذل الجهد والتغلب على التحديات واجتياز الصعاب يجعل الشخص يشعر بقيمة الإنجاز الذي قام به، وعندها يشعر بقيمة الذات وبقدرته على تحقيق أهدافه العالية.
ينبغي النظر إلى التربية والتعليم بمنظور أشمل، بحيث لا يقتصر على الجانب الأكاديمي، أي اكتساب المعرفة، والحصول على درجات مرتفعة في الاختبارات فحسب، ومع التأكيد على أهمية الحصول على المعلومات واكتساب المهارات التعليمية المختلفة فإن التعليم يشمل أيضاً بناء الشخصية، ولذلك فإن أفضل تعليم هو الذي يحقق التوازن بين العقل والنفس، وتشير نتائج الأبحاث الميدانية إلى أن التعليم هو أهم عوامل تحقق السعادة، وبالدرجة نفسها فإن السعادة هي أكثر العوامل فعالية في التعليم. إن مادة «السعادة» لا تعني مطلقاً إنكار جدية الحياة وصعوباتها ومشكلاتها، بل تمثل إسهاماً لتنمية الصحة النفسية ولإدارة الحياة بطريقة ناجحة، وتوصلت العديد من الدراسات إلى أن تدريس هذه المادة أدى إلى تنامي شعور الطلاب بالاستقرار النفسي والشعور بقيمة الذات والرضا الداخلي، كما أصبح الطلاب بعدها أكثر ميلاً إلى الاستقلالية، وقدرة على التحكم في الذات والشعور بالانتماء إلى الجماعة والحماسة للعمل ونضج الشخصية. إن مراعاة السعادة والشعور بالرضا في مادة دراسية خاصة لا يقتصر على الصحة النفسية للطلاب، بل يوفر أيضاً نقاشاً تربوياً مستمراً وهادفاً للمهمات المنتظرة من الشباب بالتزامن مع مراحل نموهم.
إن الحديث عن إضافة مادة جديدة اسمها «السعادة» يمس الخلاف القائم على الدور المزدوج للمدرسة، فهي من ناحية مطالبة بنقل معارف ومهارات محددة، ومن ناحية أخرى عليها تقديم الإرشاد والتوجيه اللازمين للحياة العملية، ولذلك فإن هناك مواد تخدم المهمة الأولى، مثل الرياضيات والعلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية واللغات، وهناك مواد تركز على الجانب الآخر، وهي الفن والتربية الرياضية والتربية الدينية أو الأخلاق.
هناك قناعة عند البعض بضرورة تحوّل كل ما يشغل الناس إلى مادة دراسية، فهناك من يطالب بإدخال مادة دراسية خاصة للتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، ومادة أخرى عن التغذية الصحية، وثالثة عن حماية البيئة، ورابعة عن المخدرات، وأخرى عن الإسعافات الأولية، وفي هذا الإطار يأتي اقتراح إضافة مادة «السعادة» للمنهاج المدرسي، وكأن تدريس هذه المادة سيجعل الجميع سعداء. إن البديل الأفضل من فرض مادة إضافية هو إصلاح العملية التعليمية، لتكون بأكملها مصدر تشويق وسعادة للأطفال والشباب، وذلك من خلال الدمج بين المواد المختلفة، سواء أكان الهدف منها نقل المعرفة أم بناء الشخصية، والانتقال إلى التعليم المعتمد على التداخل بين المواد، في إطار مشاريع دراسية مشتركة بين معلمين من مختلف الفروع الدراسية. إن السعادة لا تتحقق من خلال مادة بعينها أو من خلال إجراء رتوش على العملية التعليمية، بل في إطار نشر مناخ يدعو للسعادة، أي أن يعم الرضا من خلال شعور الطلاب بالانتماء إلى الجماعة، وأنه لا يوجد طالب وحيد معزول عن الآخرين، وكذلك أن يكون التعامل بين المعلمين والطلاب وبين الطلاب أنفسهم قائماً على الاحترام والتقدير، وترسيخ ثقة الطالب بقدراته الذاتية. هناك أشياء بسيطة قد تبدو ساذجة، لكنها تؤثر كثيراً في الحال النفسية للطلاب، مثل أن يجد المدير والمعلمين وكل من في المدرسة ينظر إليه بابتسامة ويبادله التحية، وينظر إليه حين يتحدث معه لا أن يتلفت يمنة ويسرة، وكأن هذا الطالب لا يستحق الانتباه إليه، وأن يكون الطعام المقدم في المقصف المدرسي شهياً، وأن تكون الصفوف أنيقة ومرتبة، وأن تكون دورات المياه نظيفة وصحية.
إن تدريس مادة «السعادة» يقلب الأمور رأساً على عقب، وبدلاً من إصلاح الأوضاع المختلة، كأننا نقول للطالب: «وفرت لك المدرسة مادة عن السعادة، فإذا لم تصبح سعيداً، فالعيب داخلك أنت»! وكأنه قادر على تجاهل كل ما حوله، والانتقال إلى عالم خيالي ليس له وجود على الأرض!