يبالغ الساسة الأتراك بالقول إن الأزمة السورية مرشحة للحل في الأشهر الستة المقبلة. فالتحركات الجارية على المستويين الدبلوماسي والعسكري، تأتي استجابة لمصالح طارئة لدول في المنطقة، على رأسها تركيا وإيران، وتتساوق أيضا مع مصالح روسيا.
أنقرة قلقة من تمادي الكرد في طموحاتهم القومية، وترتعب من قيام إقليم كردي بجوار حدودها. طهران تشاطرها الخوف من المارد الكردي، وتخشى هي الأخرى من تحركات الكرد في إيران.
روسيا تعرف نقطة ضعف تركيا، ولم تتردد في استخدام الورقة الكردية للضغط من أجل تعاون أمني واستخباري لاحتواء خطر تنظيم “داعش”، خاصة وأن الأخير تورط في أعمال إرهابية داخل الأراضي التركية.
وفي الخلفية، حزمة ضخمة من المصالح الاقتصادية التي تجمع البلدين، لا يمكن إهدارها في ظل المواقف الأوروبية والأميركية من البلدين.
وفي استجابة مباشرة لهذه الاعتبارات، بدأت أنقرة بانتهاج سياسة براغماتية حيال الأزمة في سورية، وتخلت عن مواقفها المتشددة من نظام بشار الأسد.
ولا يضير نظام الأسد توجيه ضربات مؤلمة للمقاتلين الأكراد في الحسكة، إذا كان ذلك سيضمن حياد تركيا في معركة حلب الحاسمة.
كل ما يجري في ميادين القتال حاليا، يؤكد أن لغة المصالح هي التي تحكم مواقف القوى المتصارعة في سورية. لا شيء يعني سورية وشعبها في كل ما يدور حاليا. وليس غريبا في هكذا حال أن تفتح طهران ذراعيها لاستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مثلما استقبلته روسيا قبل أسابيع.
حديث رئيس وزراء تركيا عن حل سياسي قريب في سورية، تقبل أنقرة بموجبه بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، ليس بالكلام الجديد. تركيا تعلم أن عملية جنيف مصممة على هذا الأساس. وتعلم أيضا أن الحل؛ انتقاليا كان أم دائما لم يعد متاحا اليوم.
واشنطن في قلب الحدث السوري؛ دبلوماسيا وعسكريا. لكن لغة المصالح تطغى على فلسفة الإدارة الأميركية في سورية. قريبا سيلتقي وزير الخارجية جون كيري نظيره الروسي، لا لتنسيق جهود الحل السياسي، بل لوضع اللمسات الأخيرة على خطة للتعاون العسكري وتنفيذ عمليات مشتركة ضد تنظيم “داعش” في سورية.
مصلحة واشنطن في سورية على المدى القريب، هي القضاء على “داعش” بما يمثل من خطر عابر للحدود. ومساندتها للأكراد في الحسكة، تأتي في إطار حماية حليف رئيس وفاعل في الحرب على “داعش”، ومن غير المستبعد أن تنقلب عليه في حال أنجزت المهمة.
الجهود الدبلوماسية، والتحركات العسكرية، كلها مكرسة حاليا لاحتواء تداعيات الأزمة السورية ومخاطرها، وليس لتسوية الأزمة من أساسها.
كما أن الدعم الخارجي للفصائل المقاتلة في سورية، صار محكوما بهذه الاعتبارات. واشنطن تدعم من يقاتل “داعش”، وتركيا تمول المناوئين للجماعات الكردية المسلحة. طهران تتعاون مع موسكو وتفتح قواعدها لإضعاف المعارضة التي تقاتل النظام السوري، ولا تمانع بدعم من يضرب الجماعات الكردية.
نحن في الواقع إزاء معادلة بلا قواعد مستقرة؛ فالتحالفات تتغير بشكل مستمر، تبعا لمصالح الأطراف الداعمة والنافذة. سورية بمأساتها المروعة ليست في الوارد أبدا.