يكشف تقرير نُشر على موقع “الجزيرة نت”، قبل أيام، عن خلافات واتهامات متبادلة في أوساط فصائل الجبهة الجنوبية (الجيش الحرّ)، وصلت إلى درجة الانشقاقات والقتل، داخل الفصائل نفسها، التي تُعدّ مقرّبة من التحالف العربي والغربي، وبصورة خاصة الأردن.
ما يثير القلق، أردنياً، يتجاوز تلك الأحداث الجزئية إلى الصورة الكلية في درعا، التي بقيت تتمتع بظروف أفضل من كل المناطق السورية، خلال الأعوام السابقة من الأحداث في سورية، إلى أن وقع التدخل الروسي، وما تلاه من “هدنة عسكرية” غير معلنة، أو ما يسمّى “سياسة تبريد الجبهات”، ما أدى إلى تصاعد الأزمات والخلافات الداخلية، وبروز قوي لجيش “خالد بن الوليد”، في “حوض اليرموك” (الريف الغربي لدرعا)، بعدما كانت درعا تعتبر، سابقاً، “منطقة خالية من داعش”!
ما حدث في حلب مؤخراً من محاولة النظام فرض حصار على الأحياء الشرقية من المدينة (التي تسيطر عليها المعارضة، ودفعها إلى الاستسلام، ثم تمكّن تلك الفصائل من فكّ الحصار جزئياً، برغم القصف الروسي والدعم الإيراني الهائل للنظام)، أثّر على أكثر من صعيد على درعا. الأول، يبدو في العتب الشديد من قبل فصائل حلب على فصائل درعا التي لم تفعل شيئاً لتخفيف الضغط عن حلب، ما خلق شعوراً بالخجل لدى أبناء فصائل درعا. والثاني، هو قدرة المعارضة الحلبية على الصمود بالرغم من كل شيء، ما خلق شعوراً بالغيرة والمقارنة لدى فصائل درعا، التي تشعر بأنّها مكبلة بتعليمات غرفة عمليات “الموك”، في مواجهة النظام.
باختصار، هناك حالة من التململ والاحتقان والسخط تسود المناخ الشعبي لدرعا، إما بسبب تصرفات قادة فصائل للجيش الحرّ، محسوبة على “الموك”، مثل فايز عبدالنبي أبو سيدرا، قائد فوج المدفعية، ويشبهه البعض بالعقيد أحمد أبو نعمة، الذي اعتقلته جبهة النصرة ويعتقد أنّها قتلته؛ وإما لحالة “”التهدئة العسكرية” التي تؤدي إلى تظهير الخلافات والتناقضات الداخلية على حساب التناقض الأساسي مع النظام.
في خلفية هذا المشهد تحول جوهري وكبير يتمثل في تغير أولويات الأجندات الدولية والإقليمية، تحديداً الأميركية والغربية، من قتال النظام السوري أو إسقاطه إلى مواجهة تنظيم “داعش” حصرياً، فأصبح الدعم القادم إلى الجيش الحرّ موجهاً على هذا الأساس، أي قتال “داعش”، لا قتال النظام السوري. وهي أجندة لا تتوافق -بالضرورة- مع رؤية فصائل درعا المركزية التي ترى أنّ “داعش” مشكلة حقيقية، لكنّ المسبب لهذه المشكلة هو النظام السوري، وهو المسؤول الرئيس عنها، لذلك فإنّ العقيدة القتالية لأبناء هذه الفصائل ما تزال موجّهة بدرجة كبيرة إلى قتال النظام أولاً، و”داعش” ثانياً، وليس العكس!
المعضلة التي يواجهها “مطبخ القرار” في التعامل مع الاحتمالات والرهانات المستقبلية لدرعا، تتمثل في عدم وجود تصوّر استراتيجي بعيد المدى، لارتباط مثل هذا التصور بتطورات ومتغيرات الساحة العسكرية السورية؛ فمن الصعب تقرير استراتيجية ثابتة على “رمال متحركة”!
وربما معركة حلب الراهنة متغيّر مهم جداً في التأثير على درعا، إذ إنّ نجاح المعارضة في فك الحصار وقلب الطاولة على النظام والروس سيعزز من الروح المعنوية لهم، وسيزيد من حالة التململ في درعا من “الهدنة العسكرية”، وربما من نمط العلاقة الحالية مع “الموك”. والعكس صحيح، فإنّ انتصار النظام في حلب سيؤدي إلى محاولة استثمار ذلك سريعاً واستنساخ انتصار عسكري في درعا، مع استغلال الخلافات والانقسامات في الجبهة الجنوبية.
من الضروري، حتى وإن لم يكن هناك إمكانية لبناء تصور استراتيجي لمستقبل درعا، أردنياً، أن يتم بناء تصور تكتيكي-قصير المدى نقدي، يساعد في تخفيف المشكلات الحالية ومواجهتها.