ليس المقصود في هذا المقال الطبقة الوسطى حصرياً، بل كل من يشترك معها في همّ الإصلاح والتغيير؛ وإن كانت هذه الطبقة (مع عدم التوافق على تعريف دقيق لها) ممتدة بين شرائح اجتماعية واسعة وعريضة، تبدأ من العليا إلى الدنيا (اقتصادياً بالطبع)، وتشمل مهناً مختلفة (أطباء، مهندسون، أساتذة جامعات، معلمون، محامون، فنيون، وغيرهم).
إذن، المقصود هنا، هو الطبقة الوسطى بالمعنى الاجتماعي والثقافي؛ تلك الشريحة الاجتماعية العريضة التي تمتلك مؤهلات علمية ومهنية وفنية. وهي الشريحة المتحرّكة عموماً في المجتمع، التي تبحث عن الإصلاح الأفضل للبلاد، لشعورها بأنّ مصالحها مهددة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية أو لعدم رؤيتها أفقا سياسيا، أو لقلقها مما يحدث حولنا في المنطقة، أو من تحولات اجتماعية داخلية مزعجة، مثل المخدرات والداعشية وتضعضع السلطة الأخلاقية في المجتمع.
راهنت الطبقة الوسطى، عموماً، على “الربيع العربي”، قبل أن تجتاحنا الثورة المضادة ومآلاتها في مصر وسورية واليمن، وتخلق المناخات المرعبة الجديدة؛ من حروب أهلية وفوضى وشيطنة من محاولات التغيير والإصلاح، ما دفع بجزء من هذه الطبقة إلى تغليب اعتبارات الخوف على الأمل!
تمثّل الانتخابات النيابية المقبلة فرصة مهمة لهذه الطبقة (أردنياً) لتخلق فارقاً، ولو جزئياً، في نتائج الانتخابات، عبر تحديد جدول أعمالها ورؤيتها، واختيار النواب الأفضل لتمثيلها. فكل أفراد هذه الطبقة مدعوون اليوم إلى المشاركة في تجاوز الأفكار المعلّبة المسبقة المتشائمة من نتائج الانتخابات النيابية، والعمل على إيجاد كوّة في جدار الإحباط.
لا نتحدث عن الطبقة الوسطى بوصفها كتلة صمّاء أو جدول أعمال توافقيا، أو تيارا متسقا، أو كتلة صوتية موحدة. لكن، مبدئياً، فلتبدأ بفكرة التجمّع عبر المبادرات الشبابية (وهي ظاهرة بدأت بالتشكّل)، أو نقاشات في العالم الافتراضي بشأن تقييم القوائم والبرامج، أو حتى على سبيل الاختيارات الفردية التي تعطي الأولوية لاختيار الأفضل سياسياً، لا لاعتبارات عشائرية أو جهوية؛ الذي يقترب اقتصادياً وسياسياً من مطالب ومصالح هذه الطبقة العريضة في المجتمع.
الرسالة التي أحاول تقديمها عبر هذا المقال، تتمثّل في الخروج من حالة الإحباط واليأس واختلاق الأعذار من قبل نسبة كبيرة لا ترى في الانتخابات أي أفق للإصلاح، بينما لو جمعنا هذا الصوت “المتأفف” لوجدنا أنّه يمثّل شريحة اجتماعية عريضة تسعى إلى الإصلاح بوصفه “جدار الأمان” لها وللبلاد ولمستقبلنا جميعاً.
الإصلاح!
هل كلمة الإصلاح تكفي؟ أليست هناك منظورات متباينة ومتعددة للإصلاح والتغيير؟ ألا توجد اختلافات أيديولوجية وسياسية كبيرة بين القوائم والمرشّحين؟ ما الذي يجمع -إذن- أبناء الطبقة الوسطى الإصلاحيين برأيي؟!
هنا، تحديداً، من الضروري للجميع استحضار “روح الربيع العربي” في الحملات الانتخابية ومعايير التصويت والبرامج المطروحة؛ “الربيع العربي” الذي أطلقته الطبقات الوسطى في مصر وتونس، وتجاوز في شعاراته ومطالبه الإصلاحية الخطابات الأيديولوجية، فرُفِع شعار: “خبز، حرية، عدالة اجتماعية”، ورفعت شعارات محاربة الفساد والمطالبة بالديمقراطية.
مثل هذه المطالب يمكن توسيعها وتطويرها عبر البرامج الانتخابية، لتشكّل مجتمعة “أرضية مشتركة” حيادية -بدرجة كبيرة- أيديولوجيا، تمثل “المظلة الإصلاحية”، وتركّز على تجذير قيم المواطنة والحريات العامة وحقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، والعدالة الاجتماعية، ودولة القانون، ومراجعة القوانين الضريبية والتنمية الاقتصادية. ويمكن أن نضيف لها، في ضوء التغييرات الجديدة، مواضيع الشباب والتسامح ومكافحة التطرف.
الانتخابات المقبلة فرصة مهمة لأبناء الطبقة الوسطى الإصلاحيين لكي يلتقوا مرّة أخرى على ما يجمعهم ويقوّي صوتهم.