شهدت الأسابيع الماضية حركة واسعة على صعيد ملف الانتخابات النيابية التي ستجرى الشهر المقبل. إذ فجأة، ومن دون مقدمات، سرت إشاعات عدة عن إمكانية تأجيل الانتخابات كالنار في الهشيم، ما استدعى من الهيئة المستقلة للانتخاب نفي هذه الإشاعات بقوة. إلا أن السؤال يبقى: لم تلق هذه الإشاعات رواجا بين أوساط الناس؛ وما الذي يجري في أروقة الدولة؟
بداية، ومن باب التحليل وليس المعلومات، لا أعتقد أن الدولة معنية بتأجيل الانتخابات، لعدم وجود أي سبب منطقي لذلك، بعد أن حشدت (الدولة) كل ما تملك من إمكانات لتمرير القانون الذي وضعته وحدها، ومن دون تعديلات تذكر في مجلس الأمة، وأيضا بعد أن استخدمت إجراء الانتخابات -خاصة في الخارج- للتدليل على قوة الدولة، فيما تعاني كثير من الدول المجاورة حروبا واضطرابات.
لكن هذا لا ينفي أن القانون الجديد خلق حالة إرباك داخل الدولة والمجتمع، لم تكن الدولة نفسها تتوقعها. ففي حين كانت الدلائل الأولية تشير إلى أن القانون يضمن عدم إمكانية أي قوى منظمة، وبخاصة حزب جبهة العمل الاسلامي، الحصول على عدد من المقاعد يسمح لها بتشكيل جبهة معارضة فاعلة، أتت التطورات الأخيرة مقلقة للدولة. فحزب جبهة العمل الإسلامي اعتمد على ترشيح أشخاص مستقلين كثر ضمن قوائمه، وخاصة الذين ينافسون على “الكوتات”، مما يعظم فرص نجاح عدد كبير من الأشخاص بدعم الحزب، وإن ليس بالضرورة أن يلتزم هؤلاء باتخاذ قرارات في المجلس المقبل متوافقة مع مواقف الحزب. بعبارة أخرى، فإن العديد من المرشحين باتوا يَرون فرصهم أقوى إن دخلوا في قوائم جبهة العمل الاسلامي، حتى أصبح من الممكن إدخال مصطلحات جديدة على الحياة السياسية الأردنية، من شاكلة “مسيحيو الإخوان”، أو “شراكسة الإخوان”، أو “نساء الإخوان”.
والأغلب أن هدف هذا التكتيك من قبل الحزب هو إظهار قوته في إنجاح عدد كبير من الأشخاص، خاصة في ظل محاربة الدولة الواضحة له، ووجود قوى إسلامية أخرى انشقت عنه وتخوض الانتخابات أيضا، مثل “زمزم” وجماعة الإخوان المرخصة، والتي من غير المتوقع أن تحصل على أكثر من عدد قليل من المقاعد مقارنة بالحزب.
الظاهرة الطارئة أيضا هي حالة العزوف الشعبي التي نشهدها حاليا عن المشاركة في الانتخابات. في الماضي، كان العزوف، أو المقاطعة، تأتي من قوى منظمة كالإخوان المسلمين. أما اليوم، ففي حين سيشارك الإسلاميون، فإن حالة العزوف انتقلت لتصل الناس العاديين. ومن أكثر الانتقادات التي أسمعها شخصيا هي حين أدعو الناس في المحافظات التي أزورها للمشاركة في الانتخابات، على أساس أنها أفضل من عدم المشاركة؛ إذ للأمانة فإنني لا أجد قبولا واسعا لهذا الطرح، بل إن عددا كبيرا بات غير مقتنع بجدوى المشاركة في ضوء غياب الإرادة السياسية لإنتاج مجالس نيابية قوية، ولا يريد المشاركة فيما بات يراه انتخابات شكلية. وهذا أمر يجب أن يكون مقلقا للدولة.
ماذا يعني كل ذلك؟ باعتقادي أننا نسير في اتجاه بات القانون الحالي سيؤدي به إلى نتائج لن ترضي الدولة أو المجتمع على حد سواء. وهي نتائج لم تأخذها الدولة بالحسبان. ومن غير المستبعد أن تقود هذه النتائج إلى تحرك شعبي ورسمي، كل لأسبابه المختلفة، ضد القانون الحالي بعد الانتخابات مباشرة.
إن صحت هذه التوقعات، هل تدرك الدولة أنه لم يعد من مصلحتها إبقاء حالة الاحتقان، وإنتاج مجالس نيابية ضعيفة وغير ممثلة؟ وهل تقتنع أن السبيل الوحيد لتخفيف هذه الحالة هو بقانون يحقق الحد الأدنى من التوافق المجتمعي، أم سندخل مرة أخرى في دوامة قوانين تكتب في غرف مغلقة، ولا تؤدي إلى شعور المواطن بأن صوته مسموع حقا؟
لا نملك أن نفقد الأمل.