بدد اليوم الأول من التسجيل للقوائم المترشحة للانتخابات، مخاوف البعض من عدم قدرة معظم المرشحين على تشكيل قوائم انتخابية، وفق القانون. وكانت هذه المخاوف هي الدافع وراء شن بعض المتعثرين من المرشحين وأنصارهم حملة انتقادات غير منصفة للقانون، والترويج لاحقا لفكرة تأجيل الانتخابات.
يوم أمس، أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب عن قبول طلبات 147 قائمة انتخابية، موزعة على دوائر المملكة الانتخابية. والمؤكد أن من بادر إلى التسجيل مبكرا هم المرشحون الأكثر جدية، والذين عملوا في وقت مبكر على تشكيل تحالفاتهم. لكن في اليومين المقبلين، ستتقدم قوائم أخرى بطلبات الترشح، وليس مستبعدا أن يتضاعف العدد في نهاية فترة التسجيل.
بعض المرشحين تمهلوا في التسجيل لمعرفة قوائم منافسيهم أولا. والبعض الآخر من القوائم ما تزال تشهد حالات سحب وإضافة وتنتظر حسم التشكيلة النهائية قبل تقديم الطلبات. وثمة فئة أخرى من المرشحين عجزوا تماما عن تشكيل قوائم، أو أنهم وجدوا فرصتهم في الفوز شبه معدومة، فأعلنوا انسحابهم من السباق في الأيام الأخيرة، بدعوى رغبتهم بإفساح المجال أمام دماء شابة لخوض الانتخابات!
كان معلوما منذ البداية أن النظام الانتخابي الجديد سيربك عديد المرشحين ومعهم جمهور الناخبين الذين تربوا وترعرعوا على نظام الترشيح الفردي، ثم وجدوا أنفسهم أمام نظام يفرض عليهم بناء تحالفات وتشكيل قوائم، والتحرك في دوائر انتخابية واسعة، بعد أن كان نظام الدوائر السابق يبقيهم داخل حاراتهم وقطاعاتهم العشائرية الضيقة.
لهذا شهدنا حالة إرباك في تشكيل القوائم وجهل بآلية الاقتراع وحساب النتائج. وأعتقد أن الحاجة ما تزال قائمة بقوة لشرح تفاصيل العملية الانتخابية. والمسؤولية الكبرى من الآن فصاعدا تقع على عاتق المرشحين وماكينتهم الانتخابية.
قبول تسجيل القوائم من طرف “الهيئة”، لا يعني أن الخريطة الانتخابية أصبحت واضحة وقابلة للقراءة والتنبؤ؛ فخلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، ستسود حالة من عدم الاستقرار، وقد نشهد انسحابات من بعض القوائم، واختفاء البعض الآخر؛ بفعل حسابات انتخابية، أو خلافات محتملة بين أعضاء الكتلة الواحدة.
لكن الأهم من ذلك أن عملية الانتخاب انطلقت رسميا اعتبارا من اليوم. وبعد حين، ستتوفر لملايين الناخبين فرصة الاطلاع على برامج المرشحين وتوجهاتهم. وستفتح الدواوين الانتخابية أبوابها للقاءات جماهيرية واسعة تمتد لشهر كامل؛ خطب وحوارات صاخبة، وكلام في السياسة والاقتصاد والهموم الوطنية. ومثلما تجاوزنا حالة الإرباك في تشكيل القوائم، سنتخطى حالة الفتور والقلق من عزوف شعبي عن المشاركة؛ فمع كل يوم يمر سينخرط جمهور أوسع في أجواء الانتخابات، وترتفع وتيرة المنافسة، ومعها ممارسات غير قانونية اعتدنا عليها في كل المواسم الانتخابية.
مهما كان رأينا في قانون الانتخاب ونظام القوائم المفتوحة، فإن الأسابيع المقبلة تمثل فرصة ذهبية لحوار وطني حول قضايانا وخططنا للمستقبل، واختيار من يقدر على حمل أمانة المسؤولية في مرحلة زاخرة بالتحديات.