يوماً بعد يوم، تزداد الأدلة على أن رجب طيب أردوغان يسعى إلى تقويض الجمهورية العلمانية التركية التي بناها كمال أتاتورك قبل مئة سنة أو نحوها وبناء سلطنة إسلامية عثمانية دوره فيها الرئيس أو السلطان.
محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز (يوليو) أدّت إلى موت حوالى 250 شخصاً واعتقال 16 ألفاً، وطرد خصوم حقيقيين أو خرافيين لنظام أردوغان من أجهزة الدولة.
شخصياً لا أصدق أن مئات الجنرالات والكولونيلات الأتراك والولايات المتحدة وحلف الناتو وقضاة ومدّعين عامّين وميديا وأساتذة جامعات نظموا محاولة الانقلاب، ولم تعرف الحكومة التركية شيئاً عنها أو عنهم قبل بدء التنفيذ.
أردوغان شكا من التأييد الفاتر له في الغرب بعد المحاولة ورد حلف الناتو رسمياً باسم أمينه العام ينس ستولتنبرغ أن تركيا عضو مهم في الحلف الذي يتوقع استمرار مساهمتها في عمله مقابل تأييد الناتو لتركيا.
مراجعة الميديا التركية تظهر أن الأتراك جميعاً، حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة والناس العاديين في الشارع، متفقون على أن الولايات المتحدة كانت في شكل أو في آخر وراء الانقلاب ومعها حلف الناتو.
التهمة لا تستند الى أساس يمكن أن تقبل به أي محكمة، وأعيدها الى محاولة أردوغان التخلص من حليفه السابق الداعية فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة منذ سنة 1997، أي قبل خمس سنوات من مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم.
أنصار غولن لهم مدارس وأعمال خيرية وتجارة في حوالى مئة بلد بينها تركيا، وهو دان محاولة الانقلاب. مع ذلك قال أردوغان في حديث مع مصدّرين أتراك إن الوشاية بأنصار غولن “واجب وطني”. إذا زدنا على ما سبق أن أردوغان بطش بالميديا المحلية وأغلق مواقع إعلامية واعتقل صحافيين وحوّلهم الى المحاكمة، نرى أمامنا محاولة لبناء دولة الحزب الواحد في تركيا.
في المقابل، العلاقات مع روسيا التي كانت متوترة الى حد القطيعة تتحسن، وأردوغان خصّها بأول زيارة له الى الخارج بعد محاولة الانقلاب، وخاطب الرئيس فلاديمير بوتين بعبارة “صديقي العزيز”، وردّ بوتين في حديث مع صحافيين أتراك رافقوا الرئيس أردوغان بالقول إن الموقف الروسي هو معارضة أي عمل ضد الدستور. أين هذا الكلام من مضاعفات إسقاط طائرة حربية روسية قرب الحدود مع سورية في 24/11/2015 وما تبع ذلك من منع السياح الروس من الذهاب الى تركيا.
روسيا سترفع تدريجياً العقوبات التي فرضت على تركيا بعد انهيار العلاقات الثنائية، وتستأنف الرحلات الجوية للسياح الروس، كما سترفع الحظر على استيراد المنتجات الزراعية التركية. أهم من هذا وذاك أن روسيا ستبني مفاعلاً نووياً في تركيا، وأن الحكومة التركية ستعيد التفاوض على بناء خط أنابيب للغاز.
بكلام آخر، العلاقات مع الحلفاء الغربيين، وتحديداً الولايات المتحدة والناتو، تتأزم الى درجة الانهيار، والعلاقات مع روسيا تدخل مرحلة غير مسبوقة من التعاون، حتى أن الخلاف على سورية طرِح في مفاوضات أردوغان مع بوتين لكن التفاصيل لم تُنشَر.
تقضي الموضوعية أن نسجل أن أردوغان يتمتع بتأييد غالبية من الشعب التركي، إلا أنني أرى أنه يقود بلاده بعيداً عن الديموقراطية ويهدد مستقبلها.