هكذا، وبجرة قلم، يتحول عالم الكيمياء الفائز بجائزة نوبل أحمد زويل، إلى شخص عديم القيمة، لا يستحق حتى الترحم عليه بعد وفاته. وأكثر من ذلك هو كافر ومطبّع مع إسرائيل. وتذهب حملة اغتيال الرجل بعد مماته حد اتهامه بتطوير منظومة صاروخية لصالح إسرئيل، كونه متخصصا بعلم الفيزياء على ما يقول الجهلة عن عالم ارتبط اسمه مبكرا بعلم الكيمياء.
زويل وقبل أن يفوز بجائزة نوبل كعالم أميركي وليس مصريا، نال أرفع مرتبة علمية في الولايات المتحدة، وحل تاسعا في قائمة الشرف الأميركية التي تضم 29 عالما ساهموا في النهضة العالمية، إلى جانب ألبرت أينشتاين وألكسندر جراهام بيل. ورفد المكتبة العالمية بـ350 بحثا محكما، وبلغ قمة المجد العلمي باختراعه جهاز ميكروسكوب يقوم بتصوير أشعة الليزر في ما مقداره “فمتو ثانية”، وهو ما عد ثورة في علم الكيمياء، انعكست آثارها على مجالات الطب والصناعة.
في قاموس إعلام وإعلاميين عرب، تلك الإنجازات تساوي صفرا أمام ما يقال عن موقف ملتبس للرجل من الانقلاب في مصر. ليس مهما أن تكون عالما تخدم البشرية وتسخر المعرفة من أجلها، المهم أن تكون إلى جانب محمد مرسي، وكل شيء من بعده يهون.
زويل كان قد وصف الرئيس مرسي بالعالم، واحتج البعض على قوله. لكن بضع كلمات قالها عن السيسي تكفي لجعله شيطانا كافرا، في نظر وجدي غنيم. ولكم أن تطالعوا سيرة غنيم ومقارنتها مع سيرة العالم زويل؛ داعية يحمل شهادة جامعية بالتجارة من جامعة الاسكندرية، وعدة شهادات من معاهد دينية مصرية. ومقابل قائمة الشرف التي حل فيها زويل إلى جانب أينشتاين، كان غنيم على قائمة الممنوعين من دخول معظم الدول الغربية لدوره المشهود في التحريض على الإرهاب. وقد سجن من قبل في ست دول أجنبية وإسلامية، و8 مرات في مصر. وليس ثمة ما يضاف إلى سيرته العطرة سوى أنه أب لسبعة أولاد.
أقوال وجدي غنيم وترهاته صارت هي الموجه لوسائل إعلام عربية، تناولت سيرة المرحوم زويل بعد إعلان خبر وفاته. وتصدرت فتواه بتكفير العالم الكبير مواقع الأخبار وصفحات الجرائد، وتولى مغردون من أنصار الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي ترويجها على أوسع نطاق. ومن بين عشرات الجوائز التي نالها زويل، لم يجد هؤلاء ما يستحق الذكر سوى جائزة إسرائيلية نالها بصفته عالما أميركيا.
لم يكن من هؤلاء من يأتي على ذكر هذه الجائزة، عندما كان زويل يستقبل من قبل الرئيس محمد مرسي في القصر الجمهوري. أما اليوم وقد مات وهو يعمل حتى اللحظة الأخيرة من حياته من أجل رفعة مصر، فلا شيء يستحق الذكر سوى هذه الجائزة.
لو أطل زويل من قبره اليوم ليرى ويسمع ما يقال عنه بعد مماته، لتمنى لو أنه لم يكن مصريا وعربيا من أصله، ولما عاد لبلده الأصل بعد فوزه بجائزة نوبل، حاملا الأمل لشعبه. فمثله من العلماء والملهمين لا مكان لهم بيننا في زمن صار فيه قادة الأمة على شاكلة وجدي غنيم؛ مهرج يعيش في زمن الكهوف، فيما زويل يبشر بزمن الـ”فمتو ثانية”.