الأمر الأوّل الذي فعله قادة الفصائل الفلسطينيّة لتلافي الحرب مع محيطهم اللبناني كان الامتناع عن التجاوب مع دعوة جهات إقليميّة عدّة إيّاها للقيام بأدوار عدّة لمصلحة هذا الفريق أو ذاك. وأهميّة هذا الامتناع كمُنت في أن الدعوة رافقتها إغراءات ماليّة كبيرة وتسليحيّة. لكن الحرص على القضيّة وعلى عدم توريط الوجود الفلسطيني في لبنان بمشكلات تؤذيه كثيراً كان أكبر من الدعوات على رغم البؤس المادي الذي يعيشه سكان المخيّمات. طبعاً لا يعني ذلك، يستدرك المصدر الفلسطيني المطّلع نفسه، أن المال لا يسلك طريقه إلى البعض في “عين الحلوة” والمخيّمات الأخرى، فالجهات الإقليميّة المُشار إليها أعلاه دفعت وتستمر في الدفع للبعض. لكن غالبيّة الفصائل التي تحصل على “تمويل ذاتي”، هي التي اتّخذت قرار رفض الإغراءات الماديّة تلافياً لانعكاساتها السلبيّة. ومن هنا يأتي الأمر الثاني الذي فعله قادة الفصائل الفلسطينيّة لتلافي الحرب مع محيطها اللبناني، وكان اتخاذ قرار أولاً برفض الانجرار إلى مشكلات لبنان والتحوّل طرفاً أساسيّاً فيها سياسيّة كانت أو أمنيّة وعسكريّة. وثانياً برفض الاقتتال الداخلي الفلسطيني – الفلسطيني. وثالثاً بالتعاون مع الأطراف اللبنانيّين على اختلاف انتماءاتهم لحماية الاستقرار على هشاشته في البلاد وداخل المخيّمات وبعدم الاصطفاف مع أحد ضد الآخر. ورابعاً بالتعاون مع الدولة اللبنانيّة عبر مؤسّساتها الأمنية والعسكريّة والسياسيّة لحل الإشكالات الأمنيّة التي تقع داخل المخيّمات ولمعالجة ذيولها، وذلك بتسليم المتسبّبين بها إلى السلطة اللبنانيّة لإجراء المقتضى، وبالحؤول دون نجاح أصحاب المخطّطات المشبوهة في إيجاد مواطئ قدم لهم في المخيّمات تمكّنهم من الاختباء هرباً من الملاحقة، أو من الانتظار ريثما تصل الأوامر والتوجيهات لتنفيذ عمليّات إرهابيّة.
وللنجاح في تنفيذ كل ذلك كان لقرار قادة الفصائل الفلسطينيّة شقّ خامس هو تشكيل قوّة أمنيّة مشتركة تضمّ بأكثر من نصفها المنظّمات المنضوية تحت لواء “منظّمة التحرير” ومنظّمات “التحالف الإسلامي” وحركة “حماس” وغيرها.
هل نفّذ القرار المفصّل أعلاه؟
نُفّذ مبدئيّاً. لكن ذلك لم يجعل الاستقرار التام سمة المخيّمات والحياة اليوميّة فيها. فالاغتيالات داخل المخيّمات وخصوصاً “عين الحلوة” استمرّت. واستمرّ تسليم مطلوبين للقضاء اللبناني. كما استمرّ تجاهل مطلوبين آخرين بعضهم خطر جدّاً. وتابع المعنيّون الفلسطينيّون التعاون مع المؤسّسات الأمنيّة اللبنانيّة التي تشعر بشيء من الرضى عن النتائج التي تحقّقت. لكنّها لا تزال تعتبرها غير كافية وتُطالب بالمزيد وخصوصاً بعد حصولها على مُعطيات ومعلومات في الأسابيع القليلة الماضية عن مخطّطات لتفجير الأوضاع داخل “عين الحلوة” وبينه وبين محيطيْه السنّي والشيعي في آن واحد.
هذا الأمر يعترف به المصدر الفلسطيني المطّلع جدّاً نفسه، لكنّه يعزوه إلى الانقسامات داخل بعض الفصائل وخصوصاً حركة “فتح” التي كانت المنظّمة الأهمّ والأكبر للنضال الفلسطيني المسلّح، وإلى التنافس بين الفصائل الأخرى. كما يعزوه إلى ترهّلٍ أصاب الحركة المذكورة لأسباب متنوّعة معروفة. فداخلها جهات أمنيّة عدّة يتنافس قادتها ويعطّل ذلك تنفيذ مهمّات اللجنة الأمنيّة. ويُلاحظ ذلك أحياناً كثيرة المسؤولون الكبار في المؤسّسات الأمنية اللبنانيّة في أثناء الاجتماعات معهم لمناقشة الأوضاع والتطوّرات. وغالباً ما يتسبّب ذلك بإنهاء البحث وعلى الأرض بتجميد عمل التقصّي والردع والتعاون مع السلطة في لبنان. علماً أن “فتح” تدرّب مقاتليها في مخيّم آخر خارج “عين الحلوة” وأجرت حتى الآن سبع دورات. أي لديها حوالى 300 عنصر أمني مدرّب أو أكثر. وذلك يساعد اللجنة الأمنيّة. وعلى رغم هذا الواقع فإن النتائج غير كاملة ونهائيّة. وقد يكون السبب، إضافة إلى كل ما ذُكر أعلاه، وجود جهات فلسطينيّة وأحياناً أفراد على استعداد للقيام بأي شيء في مقابل المال واستمرار الجهات الإقليميّة المتموّلة جدّاً في محاولة استعمال الفلسطينيّين عبر المال لتنفيذ مخطّطاتها الواسعة.
هل سيتمكّن الفلسطينيّون الراغبون فعلاً في البقاء على الحياد، إذا جاز التعبير، بين أطراف الحرب المذهبيّة غير العسكريّة حتى الآن في لبنان في تنفيذ رغبتهم؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb