سوف تفهم الدعوات الحكومية والإعلامية والاجتماعية للمواطنين بالانخراط في العمل بمجالات يغلب عليها العزوف، من غير إصلاح أو تشكيل بيئة محيطة بهذه الأعمال (مثل تنظيم العمل والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والمؤسسات الاجتماعية والثقافية)، على أنها دعوة للمواطنين للقبول بما تقبل به العمالة الوافدة؛ من ظروف عمل وإقامة مزرية، وأجور متدنية، وتشغيل الأطفال، وساعات عمل طويلة من غير أجر إضافي، وغياب الغطاء الاجتماعي والصحي والمؤسسي والثقافي للعاملين. وليس المقصود بالطبع أنها ظروف وبيئة متقبلة بالنسبة للعمالة الوافدة، بل ولا أدعو إلى الاستغناء عن العمالة الوافدة وخاصة العربية في جميع الأحوال، حتى بوجود بيئة مؤسسية واجتماعية ملائمة.
فالإحلال القسري للعمالة الوطنية محل الوافدة سوف يضر بالمصالح والأعمال، وربما لن ينجح في توطين العمل. ولكن عندما ترعى الحكومة بيئة ملائمة للعمل، سواء بالنسبة للوافدين أو المواطنين، فإنها بطبيعة الحال تشجع توجه المواطنين للعمل في هذه المجالات. ويمكن أن نبني مجالات إضافية؛ اجتماعية ومؤسسية، تعطي المواطنين مزايا ومكاسب من غير إلحاق الضرر بالمصالح والإنتاج.
هناك ثلاثة تحديات رئيسة تواجه العمل في قطاعات الزراعة والبناء والسياحة، وهي: أولاً، عدم الانتظام في العمل؛ ما يعني بالنسبة للسوق والشركات صعوبة التوظيف الدائم والمؤسسي. وثانياً، ظروف الإقامة والنقل. وثالثاً، غياب المؤسسات الاجتماعية والثقافية التي تستوعب العمال، وتمنحهم المجال للانتماء والمشاركة العامة والثقافية، وتقليل أثر الظروف الصعبة والقاسية للعمل.
وإذا أمكن البدء بمؤسسات واتحادات اجتماعية ونقابية توفر للعاملين في هذه المجالات التنظيم الاجتماعي والنقابي والثقافي وتوفير الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ومساعدتهم في الإقامة والنقل، فيمكن التقليل بنسبة كبيرة من مشكلة عدم الانتظام في العمل. ولكن من المرجح أن الاستيعاب الاجتماعي والنقابي للعاملين سوف ينشئ بيئة مهنية ومؤسسية وتدريبية تمكنهم من ترتيب أوضاع دائمة أو شبه دائمة، وقد تتشكل مع الزمن علاقات دائمة وآمنة مع العمل سواء كان عملا حرا أو مؤسسيا. وبتراكم واستمرار الخبرات والتجارب والعلاقة مع العمل وبيئته المؤسسية، يمكن التوصل إلى ترتيبات تستوعب الموسمية في العمل؛ إذ ثمة أعمال يمكن تنفيذها في كل موسم وظرف، وسوف يكون الوصول إلى عمل ودخل منتظم وآمن، ممكنا ومتاحا لمعظم العاملين إن لم يكن جميعهم.
وهناك ثلاث خصائص أردنية في إدارة الحلول والأزمات على نحو عام، وإذا أمكن تجاوزها فإن العمل في الزراعة والسياحة والبناء، كما جميع الأزمات، يمكن مواجهتها، وهي: الاتجاه نحو الحلول السريعة والفورية وعدم القبول بالتدرج والمرحلية. وهذا يجعل حل المشكلات مستحيلا. وأيضاً، غياب الشراكة الحكومية الاجتماعية الشركاتية؛ لكن لم يعد ممكنا لجهة واحدة، سواء الحكومة أو المجتمع أو السوق، الإدارة المنفردة أو المستقلة للأعمال ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. وثالثاً، غياب النسبية في الإدارة والتنظيم؛ إذ يغلب على الثقافة المنظمة للعمل التركيز على السلبيات أو الإيجابيات، وعدم القدرة على ملاحظة اجتماع المكاسب والمخاسر معا، وتكوين مشهد شمولي وعقلاني للحالات، والاعتراف بالأخطاء ومراجعتها.