مشْهد ذبح الطفل السوري من قِبل فصيل نور الدين زنكي مؤلم، بشع، ومدان؛ ولا يوجد ما يمكن أن يبرره ويفسّره، لا في بيان التنظيم الأول بوصف ما حدث عملاً فردياً سيُحاسب المسؤولون عنه، ولا في إبراز هوية غير مقنعة للفتى مكتوب عليها بأنّه مجند للنظام السوري، وعمره يتجاوز 18 عاماً، ففي النهاية ما حدث جريمة أساءت للثورة السورية ولقيمها، وجعلت الجميع يضع يده على قلبه من أنّ الشعب السوري يهرب من الدلف إلى المزراب!
لا يخلو مشهد المعارضة المسلحة من أخطاء وخطايا، وهي مئات الفصائل وآلاف المقاتلين، اختلط فيها الحابل بالنابل، ودخلت في صدامات داخلية عنيفة، في كثير من المناطق. لذلك، من الصعب أن نزعم بأنّ كل ما تقوم به هو عمل ثوري نقيّ.
العسكرة من الأساس لم تكن خياراً جيداً، لكنّها في الحقيقة ليست خياراً، بل هي اضطرار، وجاءت من خارج رحم الثورة، عبر الجنود المنشقين عن الجيش، الذين أسسوا في البداية “الجيش الحرّ”، قبل أن تتوسع عمليات النظام العسكرية والأمنية، ويقتل أي مساحة لمعارضة سلمية، ما دفع بالجموع إلى التحول نحو العمل المسلّح.
من المهم استحضار المعطيات السابقة عند الوقوف على جريمة ذبح الطفل. وهي بالمناسبة ليست الحالة الأولى التي تقوم فيها المعارضة بعمليات لاإنسانية ولاقانونية، وسبق أن انتقدت التقارير الدولية مراراً المعارضة السورية لمثل هذه العمليات التي تحاكي فيها سلوك النظام الإجرامي تجاه المواطنين والمخالفين في الرأي، وحتى أساليبه في التعذيب والقتل والانتقام!
مشهد مؤلم مفجع، بالضرورة، وسلوك مدان من تلك الفصائل بالتأكيد. لكن إذا تمّ فصله عن سياقه وعن مسؤولية النظام عن توليد كل هذه الظروف غير الإنسانية والجماعات المتشددة، نكون قد قفزنا عن جذور المشكلة وعن الحلول المطلوبة.
من العار أن يقف المجتمع الدولي وبعض من تحرّكت “إنسانيتهم” فجأة، انتقائياً، لأجندات سياسية وأيديولوجية، عند مشهد “الطفل الذبيح”، فيما كانوا صامتين تماماً، وما يزالون، عند مشهد “الشعب الذبيح”، الذي ما يزال يتعرّض لـ”مذبحة تاريخية”، في ظل تواطؤ العالم بأسره وصمته المخزي عن الحصار والتجويع والقتل في حلب والغوطة والمناطق الأخرى!
منذ أيام، وعلى وقع التفاهمات الروسية-الأميركية (أليست هذه الإمبريالية يا رفاق!) عمل النظام السوري على إدماج نفسه في التفاهمات كطرف شريك، وليس خصما (هل هذه مؤامرة؟!)؛ فشنّ عشرات الغارات وأنزل البراميل المتفجرة وأغرق أحياء حلب بالدماء والقنابل والمتفجرات، واستهدف المستشفيات والمدارس وبنك الدم، والمدنيين قبل المسلّحين، فسقط عشرات الأطفال الذبيحين (أم هؤلاء ليسوا أطفالاً؟!)، بما لا يختلف عن القصف الروسي على مناطق أخرى في إدلب ودير الزور (أين المشاعر الإنسانية المفاجئة هنا؟!).
فقط إحصائية سريعة للتذكير، فإنّ هناك قرابة 470 ألف إنسان قتلوا في سورية حتى اليوم، غير عشرات آلاف المختفين وأغلبهم في سجون النظام، ومليون وخمسمائة ألف جريح، و11 مليون مهجّر خارج وداخل سورية، يستحقون بعض دموع الحزن والمشاعر المتعاطفة، كما حصل مع مشهد ذلك الطفل المجني عليه.
زاوية أخرى للشيزوفرينيا السياسية، تتمثل في التناقض في موقف أنصار النظام السوري المؤيد لجرائم هذا النظام حتى آخر سوري معارض، ومع أنه لا علاقة له بالديمقراطية من قريب أو بعيد، ويمثل نسخة مقززة من العلمانية والمدنية مشوّهة لهذه القيم، وبين مطالب هؤلاء بالديمقراطية وحقوق الإنسان؛ فهذه القيم لا تتجزأ، لكنّها لدى البعض تتمزق وتنتهك ويتم تحريفها وتزويرها من دون أن يرف لهم جفن!