على الحافة الأخيرة لخريطة العالم العربي، وعلى شواطئ المحيط الأطلسي، تلتئم القمة العربية في نواكشوط؛ عاصمة موريتانيا، اليوم.
ظلت الأمانة العامة للجامعة العربية لأشهر مضت “تدلل” على القمة، علها تجد عاصمة عربية تقبل استضافتها، فلم تجد غير موريتانيا، بعد اعتذار المغرب الوجيه عن استقبال ضيف ثقيل الظل.
بالنسبة لموريتانيا المقصية عن دائرة الأضواء، تمثل استضافة القمة العربية بالنسبة لها حدثا تاريخيا غير مسبوق، يمنحها ولو لأيام حصة من اهتمام وسائل الإعلام، ويذكر بوجودها كشقيق عربي، طاله النسيان والتهميش.
موريتانيا بلد فقير محدود الموارد، والقمة العربية في الأساس مناسبة استعراضية، يتطلب انعقادها تحضيرات لوجستية، وورشات بناء، وفنادق فاخرة لا وجود لمثلها في موريتانيا. ولهذا، هبت دول عربية غنية لمساعدة الشقيقة الفقيرة على إنجاز البنى التحتية اللازمة لنجاح القمة. فالقمم في العرف العربي لا تكون ناجحة ومثمرة إذا لم تعقد في قصر مؤتمرات فاخر، وبفرش السجاد الأحمر في المطارات. ولكم أن تتذكروا قمما سابقة لم يكن مقدرا لها تحقيق إنجازات خارقة، لو لم تتوفر لها مقومات النجاح؛ من فلل لمبيت القادة، وموائد طعام عالمية، ومطارات قادرة على استقبال الطائرات العملاقة، وفنادق تتسع للمئات من حاشية الرؤساء.
موريتانيا تمكنت أخيرا، وبمساعدة عربية خالصة، من توفير الحد الأدنى من مقومات النجاح. ولذلك، يعول الكثيرون على قرارات قمة نواكشوط، التي حملت اسم “قمة الأمل”!
معظم القادة العرب لن يحضروا “قمة الأمل” هذه، لأسباب مختلفة، لعل أهمها عدم توفر قادة من الأساس لتلك الدول، وعجز البعض عن الحركة لدواع صحية قاهرة. وحسب التوقعات، سيهبط مستوى التمثيل إلى درجة الموظفين في اليوم الثاني من القمة، بعد أن يتسلل رؤساء الوفود هاربين من مدينة تحوم الشكوك الأمنية حول قدراتها، وتتعاظم المخاوف من مشقة الرحلة إليها.
أما جدول أعمال القمة، ففيه من المفارقات المبكيات المضحكات؛ كل مصائب الأمة العربية مطروحة على جدول الأعمال، من فلسطين إلى العراق وسورية واليمن وليبيا، والإرهاب والتحدي الإيراني. قضايا شائكة عجزت القوى الدولية الكبرى والأمم المتحدة، ومن قبل جميع القمم العربي، عن حلها، هي اليوم مطروحة للحسم في نواكشوط! ولكم أن تتخيلوا النتائج الباهرة التي ستتمخض عنها قمة على مستوى الموظفين.
لكن الأشقاء في موريتانيا، ورغم بعدهم عن المشرق العربي المحطم، يعلمون الحقيقة المرة، ويعرفون حق المعرفة أن قمم الدنيا كلها لن تداوي جراح الأمة العربية. ومثلما كانت الحال في قمم سابقة، سيخرج العرب من قمة نواكشوط وقد تعمقت خلافاتهم، وزادت مشاكلهم.
يبقى الأمل الوحيد من “قمة الأمل” هذه ما يتحقق لموريتانيا من مردود اقتصادي واستثماري وسياحي، في بلد يعج بالفرص غير المستغلة. عسى أن يلتفت إليها العرب الأغنياء، فيضعوها على خريطة استثماراتهم العالمية، ويمنحوها حصة صغيرة من أموالهم المهدورة.
تقول وسائل الإعلام الموريتانية إن انعقاد القمة في بلادهم أحيت قطاعات راكدة، وحركت الأسواق. وذلك أقصى ما يمكن أن تنجزه القمة التي بلغ الترف بالقائمين عليها حد إدراج بند التغير المناخي على جدول أعمالها!