في تصريح قبل ايام، أكد رئيس الوزراء د. هاني الملقي «ان اعداد العمال الوافدين تعدت مليون شخص».و مع احترامنا لكل الوافدين، فقد أصبحت العمالة الوافدة تعادل 57% من كامل القوى العاملة الأردنية أو 90% من العمالة الاردنية خارج الوظيفة الحكومية.وهي متغلغلة في مختلف القطاعات الانتاجية والخدمية، وتنتشر في جميع انحاء المملكة. وأكد رئيس الوزراء، أنه لابد من السير في عملية احلال للعمالة الوطنية محل العمالة الوافدة وفق خطة موضوعية و زمنية محكمة .
وهنا لابد من ملاحظة ما يلي:أولاً: ان اجور العامل الوافد قد ارتفعت لتتعدى راتب الموظف في بدايات وظيفته. ثانياً: ان البطالة بين الاردنيين تتعدى 14% وهي بين الشباب تصل الى 29% للذكور و 45% للاناث ثالثاً: ان العمالة الوافدة تتزايد سنويا بنسبة 1.6% الأمر الذي يجعلها عبئا متزايدا على الاقتصاد الوطني، ومنافسا شديدا للعمالة الوطنية، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار العمالة السورية. وفي اطار المعطيات الحالية ،وأهمها بطء معدلات نمو الاقتصاد الوطني و هي في حدود 3%، فإن قدرة الاقتصاد على توليد فرص عمل جديدة ستكون محدودة تماما، لا تتعدى 20 ألف فرصة، في حين أن الحديث عن (80) ألف فرصة عمل جديدة مطلوبة سنوياً.
ومن جانب آخر فإن عملية الاحلال تتطلب خطة واضحة ومبرمجة على مدى (10) سنوات يكون الهدف النهائي للخطة ان لا تتجاوز القوى العاملة الوافدة (10%) من القوى العاملة الوطنية. وهذا يتطلب التحرك ربما في الاطار التالي:
أولاً: أن تقوم كل وزارة ومؤسسة رسمية و منظمة مجتمع مدني ذات علاقة ،كغرف الصناعة والتجارة والإتحادات المهنية و النوعية، بدراسة معمقة للعمالة الوافدة في القطاع الخاص بها ،سواء من حيث الاعداد او الاجور او الكلفة غير المنظورة وغير المباشرة التي يتحملها الاقتصاد الوطني. ثانياً: تحديد الاسباب والعوامل التي تجعل العمالة الاردنية عازفة عن الانخراط في العمل مقابل العمالة الوافدة في ذلك القطاع على التحديد. ثالثاً: وضع منظومة من البدائل والاضافات والترتيبات والتعويضات التي يمكن ان تجعل فرص العمل المتاحة جاذبة للعمالة الوطنية. رابعاً: مساعدة الشركات المتعثرة والمصانع المتوقفة على الخروج من أزمتها وفق شروط تعاقدية بينها وبين الحكومة يكون تشغيل العمالة الوطنية واحداً من بنودها خامساً: وضع برامج مشتركة ما بين مؤسسة التدريب المهني و المؤسسات المهنية المتخصصة و وزارة التعليم العالي من جهة، وبين الشركات والمصانع التي توظف قوى عمل اجنبية للشروع بتدريب وتأهيل عمالة وطنية متخصصة تسد احتياجات تلك الشركات والمصانع، بما في ذلك الإيفاد للخارج، و الإفادة من تجارب الدول الناجحة في هذا المضمار. سادساً: انشاء «دائرة التطوير التكنولوجي» في كل وزارة كي تتولى ،بالتعاون مع الإتحادات المهنية و النوعية ،العمل على الارتقاء بالمستوى الصناعي والتكنولوجي و الأدائي للوظائف و الأعمال في القطاع الذي يقع تحت مظلتها، حتى تصبح الوظائف اكثر جاذبية وأعلى مردودا وأفضل انتاجية، مما سيرفع من موقعها في نظر المجتمع والعامل الوطني. سابعاً: الانتقال الى تكثيف الانتاج من خلال المشاريع الانتاجية و الصناعات الإحلالية وكثيفة الإستعمال للأيدي العاملة، خاصة في المحافظات ،لتحل منتجاتها محل البضائع المستوردة الجاهزة.
فالاقتصاد القائم أساسا على التجارة والاستيراد لا يمكنه توليد فرص عمل جديدة الا في اضيق الحدود. ثامناُ: اعادة ترتيب اوضاع العمالة الوطنية الفردية. ذلك ان جزء كبيرا من العمالة الوافدة هي عمالة فردية وليس مؤسسية، تتعامل مع افراد في اعمال صغيرة او مهام مؤقتة . وهذا يتطلب تجميع العمالة الوطنية تحت مظلات أو ضمن أطر تجميعية تأهيلية مثل «تعاونيات العمل» أو «جمعيات العمل التعاونية» أو أي اسم آخر بحيث تكون التعاونية مركز الاتصال و التأهيل لمن يرغب بتوظيف العمالة الوطنية. تاسعاً: انشاء صندوق وطني حكومي لدعم العمالة الوطنية ليغطي هذا الدعم الفروق في الاجور أو تكاليف المعيشة. ومن الممكن للدعم ان يكون على شكل تأمين صحي او اجتماعي أو إسكاني او حتى ادخار. عاشراً: التزام الحكومة بأن لا تقل نسبة العمالة الوطنية العاملة في أي مرفق عن 50% في الخمس سنوات القادمة لترتفع بعدها الى 80% وتنتهي عام 2025 بنسبة 90%.
واخيرا، فإنه دون تنفيذ برنامج وطني جاد لمضاعفة معدل النمو الإقتصادي ليتجاوز حاجز ال 6% و دون العمل على تصنيع القطاعات الإقتصادية و رفع مستواها التكنولوجي و التشحيع الحقيقي للإستثمار، و دون الدخول في التفاصيل القطاعية ،ودون دفع الاقتصاد الوطني ليصبح اكثر انتاجا واقل استيرادا ،ودون الالتزام ببرنامج زمني شامل «تتابع تنفيذه وحدة متخصصة في رئاسة الوزراء»، فإن المستقبل سيشهد مزيدا من التفاقم للبطالة و اتساعا لمساحات الفقر، و قد يصبح احلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة غاية في الصعوبة، خاصة وانه على مدى ال 20 سنة الماضية تراحعت الكثير من المهارات لدى الطبقة العاملة الوطنية.، إما بسبب هجرة المتميزين منها الى الخارج،و إما بسبب الإبتعاد عن الممارسة. فهل نبدأ اليوم قبل غد ؟ تلك هي المسألة.