عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – هذه الزيارة الاولى لدولة الدكتور هاني الملقي رئيس الوزراء الى الكرك بعد أن تسلم منصبه ..
فقد أراد الملقي منذ يوم ولايته الأول أن يقوم بعمل ميداني يعتقد أنه الأفضل والأنفع والأكثر جدوى في معرفة اوضاع المواطنين ومتابعتها لأن الحكومة السابقة التي أمضت ثلاث سنوات ونيف قصرت في الوصول الى الميدان وكان رئيسها يبث باتجاه واحد ولا يستقبل وكان عنده طريق واحد (ون وي ) منه الى المواطنين وقد نقد المواطن المشاركة وحتى التواصل مع الحكومة حين لم يكن حتى مجلس النواب في أغلبيته موصلا للهم الوطني أو قادراً على دفع تغول الحكومة عن المواطنين سواء في الأسعار أو حتى الحاجات التي لا تحتاج الى واسطة ..
يأتي الملقي بعد سنوات حكومية عجاف من غياب التواصل حيث شخصية الرئيس السابق أشبه بمعلم الصف أمام وزراءه الذي ظل ينظر اليهم كتلاميذ مدرسة ..
فهل يتجاوز الملقي هذه الحالة . وهل يبدأ في توسيع دائرة الرأي والحوار داخل الحكومة اولا والتي هي خليط شخصيات عديدة وليست حزبا متجانساً وان كان فريقها متكافل متعاضد في تحمل المسؤولية واتخاذ القرار ..
الملقي لا أجنده له ولا عشيرة ضاغطة حيث للأمر وجهان سلبي وايجابي وهو جار في العمل بيروقراطي رفيع المستوى في مجاله وسياسي تدرج في التدريب حيث كان وزير الخارجية رغم أن سلوكه وطريقة تفكيره تتسم بالوضوح والصراحة والمجاهرة واحيانا الحدة وهو ما يتناقض مع صفات الدبلوماسي الذي ظل يختبئ وراءها مسؤولون حين يصمتون ولا ينجزون وحين يسكتون على الخطأ باسم العفة الدبلوماسية !!!
يحب الملقي أن يعمل أكثر مما يتكلم ولذا نراه صامتا قليل التصريحات الا حين الحاجة , وحتى حين قال الفريق أول الركن المتقاعد عبد الهادي المجالي الذي أولم لرئيس الوزراء في مسقط رأسه الياروت أمس الأول ” ان الكرك يا دولة الرئيس مهمشة ” ..
اكتفى الرئيس الذي كان ينصت جيداً , ويخشى تداعي الكلمات بأن فتح عيونه أكثر ووضع ابتسامة استنكار وظل صامتاً لم يعلق حتى وأن انتظر الحضور الذي زادوا عن (300) شخصية من وجهاء الكرك وآل المجالي رداً من الرئيس على كلمة الباشا عبد الهادي , ولكن الملقي الذي جاء لتعزيز العلاقة بالجهور والاستماع الى النصح لم يشأ أن يرد حتى لا يدخل في مناكفة حول الكلمة او حتى السياق العام الذي جاء يعبر عن مطالب المحافظة عشية الانتخابات حيث عبر معالي عبد الهادي المجالي عن الكركيين ومطالبهم العامة دون أن يدخل في التفاصيل أو يحرج الرئيس أو يطيل زمن الانتظار على الغداء.
في نصف الساعة التي سبقت الغداء بقي الدكتور عبد السلام المجالي يضع فمه في أذن الرئيس الذي كان يستمع بانصات شديد فقد ادمن الباشا عبد السلام النصح لأي مسؤول يأتي ولم تكن شؤون الكرك فقط في كلمات الهمس بل اصابت الكلمات مسائل في الوضع الداخلي والسياسي والعقبات التي تعترض الحكومة ومواقف البعض الذي لا يحلب صافيا حسب رواية من كانوا في الجوار وقد استرقوا السمع لما دار ..
الملقي جاء يلبس الجنز الكاكي ويمارس الصيف نشيطاً شاباً مستغلا مشواره الكركي للاطلاع على بعض المنشآت في الطريق الى الياروت إذ لم ينجح برنامجه الموضوع في تمكينه من الصلاة في مسجد عطاالله المجالي الذي بناه عبد الحي المجالي على الطريقة الماليزية وعين امامه على نفقته ودفن رفات والديه فيه بعد نقلهما اليه كما استقر جثمان الراحل عبد الوهاب وكل من كان من العائلة القريبة
كانت الموائد قد فردت في المضافة وكانت رؤوس الخراف تتوزع فوق اكثر من اربعين منسفا كما جرى العد وقد خص الرئيس ونوابه وبعض وزراءه بزاوية خاصة تنوعت اشكال المناسف فيها لم ينتظر الرئيس وصول الفواكه ولا حتى اللزاقيات (الحلوى التي تنفرد بها الكرك وهي عبارة عن خبز الصاج شبه المحروق المغطى بالسمن البلدي والسكر) . فقد انصرف الرئيس بعد المنسف وتغسيل الايدي مباشرة بناء على نصيحة عبد الحي المجالي الذي طلب من الرئيس ان يغادر قبل ان تحاصره مطالب بعض الفئات الشعبية المنتظرة التي جائته بالعرائض والشكاوي والمطالبات المرهقة اذ لا يليق بغداء وتكريم على هذا المستوى ان يجري تشويهه بهكذا اسلوب من المطالب كما يقول عبدالحي المجالي , ولذا خرج الرئيس غير مثقل المطالب رغم ان كلمة (تهشيش) بقيت ترن في اذنه وهو يقارن بين الكرك وسواها من المحافظات .
حجة الذين يقولون بالتهميش هو ان الجنوب منه المصادر الطبيعية من فوسفات وبوتاس ومعادن ومياه وكلها ترد وتصب في العاصمة في حين ان اوضاع الجنوب اكثر تردياً من الشمال الذي ينعم بجو افضل وزراعة افضل وخلافه… ورغم ان الرئيس قد قال ان الوضع الاقتصادي العام في البلاد ليس (كارثيا) كما في المقابلة التلفزيونية معه في برنامج ستون دقيقة الا انه لم يعرب الكلمة بالتفصيل ولم يقدم اضاءة كافية لها فالحديث للعامة غير الحديث للخاصة ويدرك الرئيس بوعيه وتخصصه انه لا يريد اثارة المزيد من القلق لدى المواطنين وانه لا يريد تكرار كلمة ( يجب وينبغي وعلينا ) وانما عليه وفريقه ان يعمل وان يتوفر له المزيد من الوقت ان يعمل حتى تبقى البلاد قريبة من شط الامان .
يدرك الرئيس قبل غيره ان الوضع الاقتصادي بحاجة الى معجزة وبحاجة الى عبقرية والى اجتراح اساليب متميزة والى تحدي كبير فهل يتوفر ذلك وهل يبدأ تغير الاسلوب التقليدي الذي ادمنته الحكومات ؟ وهل تتغير مواصفات وشروط اللعبة الجديدة ليتاح العمل باساليب اخرى ..؟
خيارات الرئيس الملقي محدودة وليس لديه ترف الوقت وعليه لاحقا ان يكاشف جلالة الملك أولاً بأول وأن لا يزين او يزايد او يناقص حتى يكون ممكناً وضع المواطنين في الصورة وبدقة وبدون خوف او احتساب . لانه لا بد من ان يوضع الحمل على كل الاكتاف ولابد من الاخذ بمقولة ( الحمل الذي يوزع بسهل شيله ) .
دعوا الرئيس يعمل بدل اساليب القال والقيل ودعوه يمر باجراءات حكومية شفافة الى مرحلة الانتخابات وما بعد الانتخابات . حيث يمكن امتحان الحكومة في تجديد الثقة بها وتمديد ولايتها وهو المأمول ..
ويبدو ان زيارة الكرك تفتح الشهية لزيارة محافظات اخرى حتى اذا ما اقترب يوم التصويت ختم الرئيس زياراته التي يجب ان تحرض المواطنين على الذهاب الى صناديق الاقتراع لان الديموقراطية هي الرافعة الحقيقية للامن الوطني كما نعتقد .
الملقي في الياروت … استمع وأكل ؟؟
16
المقالة السابقة