يجري التحجّج، حين المطالبة بحل مشكلات الفقر والبطالة، بأن الدولة لا تملك ما يسمح بذلك، فقد أغرقها النظام القديم بالديون. حيث أنها لا تستطيع رفع الأجور، نتيجة العجز في الميزانية، ومن ثم ليس لديها خيارات لتوظيف العاطلين عن العمل، إلا بشكل محدود. وأيضاً لا تستطيع تحسين الخدمات والبنية التحتية، على العكس، فإنها “مضطرّة” لأن تخصّص ما تبقى من مؤسساتٍ في مجالاتٍ أساسيةٍ للمجتمع، مثل التعليم والصحة، وزيادة أجور المواصلات.
مصفوفة طويلة من المبرّرات التي تهدف الوصول إلى نتيجة أن الدولة عاجزةٌ عن تغيير وضع المفقرين والعاطلين عن العمل، وتحسين الخدمات والبنية التحتية، وضمان استمرار مجّانية التعليم والصحة، فهي تعاني من عجزٍ في الميزانية، وأن سداد فوائد المديونية وأقساطها عبءٌ تتحمله. وعلى الرغم من أن الدولة ترفض فرض الضرائب على الرأسماليين الذين أسّسوا ثروتهم من نهب الدولة والمجتمع، وتقدّم كل التسهيلات لهم، فإنها تزيد الضرائب على الشعب، وتعتبر أن زيادة الأسعار ضرورة. وهو الأمر الذي يزيد من البطالة والفقر والتهميش وإهمال البنية التحتية والخدمات.
لكن، هل فعلاً ليس هناك حل لهذه الأزمة المجتمعية؟ يمكن الإشارة الى أن القول بنعم سيفضي إلى نتيجةٍ بسيطةٍ، تتمثل في أن تمرّد الشعب سيستمرّ، وسيتصاعد، ويشتدّ. بالتالي، سيفرض حلاً بالقوة الشعبية. هذا ما سيحدث، على الرغم من أنه يواجَه بخطاب أن لا حلّ ممكناً، بعد النهب الفظيع الذي مورس، والذي بات يحمّل سبب الأزمة المجتمعية، ويلقى على كاهل “النظام القديم”. ولا شك في أن الإجابة بأنْ لا حلّ، تنطلق بالضبط من منظور الرأسمالية التي نهبت وتحكّمت بالاقتصاد، وتتحكّم بالسلطة. فهي لا تمتلك حلاً للمفقرين، لأنها تسعى إلى مراكمة ثروتها، بغض النظر عمّا تسببه مجتمعياً. إنها تبحث عن حلّ يخدم مصالحها تحديداً، وهو الحل القائم على تصعيد النهب، وتخفيض الأجور وزيادة الأسعار، والضرائب، وخصخصة كل المؤسسات التي كانت بيد الدولة، بحجة أنها خاسرة.
بالتالي، ليست السلطة والطبقة الرأسمالية المافياوية التي تتحكّم بها معنيتين بإيجاد حل للمشكلات المجتمعية. على العكس، حاجة الرأسمالية لتصعيد التراكم المالي عبر النهب الأكبر تجعل الأمور أكثر سوءاً كما أشرت. لهذا، يجب البحث عن الحل في مكان آخر، حيث يفترض الاستقرار المجتمعي الآن، ليس العنف الذي لن يوقف الصراع وتمرُّد الشعب، بل حل مشكلات البطالة والفقر وانهيار التعليم والصحة والبنية التحتية. حيث لا بد من رفع الأجور أضعافَ ما هي الآن، ولا بد من تقديم أجرٍ أدنى للعاطلين عن العمل، إلى حين توفير فرص عمل لهم، ومن ثم وضع ميزانياتٍ كبيرة للقضايا الأخرى. ومن أجل ذلك، يجب إعادة بناء الاقتصاد على أساسين: الأول، بناء صناعة وتطوير الزراعة، لأنه من الضروري أن تُبنى قوى منتجة لحل مشكلات البطالة والفقر والمسائل الأخرى، كون ذلك يقلّص الاستيراد، ويأتي بفائض قيمة يسمح بذلك.
طبعاً، في هذا الإطار يطرح خطاب السلطة عجز الدولة عن ذلك، لأنها “مفلسة”. وهذا صحيح، لأنها نُهبت من الرأسمالية المسيطرة، والمرعية من الدولة، والمحمية بقوى قمعها. ولا شك أن توفير المال اللازم لذلك مشكلة كبيرة، فقط إذا نظرنا من منظور الرأسمالية نفسها، التي تُخرج وضعها من أي نقاشٍ أو حساب، حيث تريد الحلول من خارجها، وأيضاً لنهب الأموال التي يمكن أن توضع في هذا المسار.
يتحدّد الأساس، هنا، في مصادرة الأموال المنهوبة التي أخذت من الدولة بواسطة السلطة بأبخس الأثمان أو بلا مقابل. يبدأ الحل بالتالي من مصادرة أموال الرأسمالية نفسها، واستعادة الدولة لكل المشاريع والمصانع والأراضي والعقارات التي سُلبت منها. نُهبت أموال الشعب، ويجب أن تعود إليه من خلال مصادرة أموال الناهبين جميعاً، وأن يحاسب هؤلاء على التخريب الذي أحدثوه في الاقتصاد الوطني. وأيضاً إلغاء المديونية التي تراكمت، وكانت جزءاً من عملية النهب المحلي والدولي، وحيث جرى تسديد ما يفوقها بكثير.
الدولة مفلسة. لكن، هناك مئات مليارات الدولارات التي نهبا “رجال الأعمال الجدد” والطغم العالمية، وهي من حق الشعب.