نظريا، كما تعبّر عن ذلك الأرقام الرسمية، فإن الفقر في الأردن ثابت لم يتغير منذ العام 2008؛ ما يعني أن سياسات الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين، نجحت في تثبيت نسبة الظاهرة عند %14.4، بحسب البيانات الحكومية التي نشرت لأول مرة في العام 2010.
واستناداً إلى ذلك، يُفترض أن تكون أوضاع الفقراء بـ”خير” قياساً إلى ما كان يُتوقع أن يلحق بهم نتيجة تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجه الأردنيين عموماً. لكن الواقع عكس ذلك تماما. فالفقراء مهملون مهمّشون، وأكثر من ذلك أنهم غاضبون، يتملكهم شعور بالدونية.
ليس أدل على ذلك من تأخر صدور أرقام الفقر والمسوحات حوله سنوات طويلة. فآخر رقم متوفر يعود للعام 2010، أي قبل ست سنوات. والخطر أن الحكومة تحاول إخفاء النتائج الأحدث، أو عدم التصريح بشأنها إن أحسنّا النوايا. كما كان من المفترض إجراء مسح جديد في العام 2013، لكنه تأخر بسبب عدم توفر الموارد المالية.
وأياً كانت الحجة لهذا الواقع، فإنها تظل غير مقبولة. علماً أن معلومات توفرت لـ”الغد” قبل أشهر، أكدت أن المسوحات كشفت بيانات صادمة لحكومة د. عبدالله النسور؛ إذ بلغ الفقر نسبة مرتفعة وصلت نحو 20 %. وفي حينه، أكدت الحكومة أن النسب التي نشرتها “الغد” غير دقيقة، إنما من دون أن تعلن الأرقام “الحقيقية” الموجودة لديها، ومن دون تبرير هذا الامتناع أيضاً!
أخيراً، قررت دائرة الإحصاءات العامة القفز عن الأرقام الأخيرة للبدء بمسح جديد مطلع العام المقبل، يُتوقع أن تصدر نتائجه في العام 2018. والمعنى أن تحديث أرقام الفقر سيتأخر مدة عامين إضافيين، بحيث تكون قد مرّت، بالمحصلة، فترة تقترب من عقد من الزمن لم تراجع خلالها تلك الأرقام.
لا شيء يدعو للعجلة؟! ربما! باعتبار أننا دولة لا تشبه سواها أبداً، وبحيث يمكننا التخطيط لمعالجة الظاهرة استناداً لبيانات مضى على تحديثها سنوات طويلة! أو أن الفقراء غير مهمين، ولا بواكي لهم لدينا! وبالتالي لا آثار سلبية، بل وحتى كارثية، لتأخير الأرقام!
ولماذا نهتم بالفقراء؟ ولماذا نضع قاعدة بيانات حولهم؟ وما الداعي لتحديث الأرقام؟ فهم على الهامش، وقدرتهم على فعل شيء -كما يبدو من وجهة نظر الحكومات- أمر غير وارد. وبسبب ذلك تركتهم الحكومات وخبّأت البيانات المتعلقة بهم، رغم كل ما عانوا من صعوبات قاسية خلال السنوات الماضية.
فتقلبات أسعار السلع والخدمات، لاسيما الرئيسة منها؛ و”الربيع العربي” والثورات التي حركها الفقر والظلم؛ كما تبعات اللجوء السوري… كلها معطيات غير مهمة، لا ترى حكوماتنا أنها تركت بصماتها على فقراء الأردن، ولذلك تعاملت مع ملف الفقر بكل هذه اللامبالاة!
وإذا لم يكن هذا التفسير صحيحاً، فيكون البديل أن فهم الفقر كمشكلة اجتماعية ومدماك رئيس في منظومة الأمن الشامل، لا يبدو أمراً واضحا في أعين الحكومات، فكان رد فعلها على صدمة نسبة الـ20 %، هو إخفاء النتائج، تماما كنعامة تدفن رأسها في الرمل، ظنا منها أنها بذلك تحمي نفسها من الخطر!
بالتأكيد، خرج مسح 2012-2013 بنتائج جديدة حول الفقر. ومن حق الإعلام والرأي العام الوقوف عليها مهما كانت. إذ حتى لو كانت الأرقام صادمة، فإن الأوْلى استيعاب الصدمة، والشروع مباشرة بعلاج أسبابها وتبعاتها، بدلا من إخفاء الوجع فيما المشكلة تتعمق وتستفحل.
مدير عام دائرة الإحصاءات د. قاسم الزعبي، برر عدم إعلان الأرقام، والتخطيط لمسح جديد، بأنه سيتم الاعتماد على أطر جديدة تعكس واقع دخل ونفقات الأسر، خصوصا بعد تغير هيكل السكان في المملكة، والذي كشفه التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2015. وهو الموقف الذي دافعت عنه أيضاً وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة ريم أبو حسان.
الأمانة الوطنية، وضمنها الصدق المهني، تقتضي تشخيصا حقيقيا لحجم المشكلة؛ فليس مهماً أن تكون الأرقام مريحة لبال المسؤول، بل أن تكون واقعية، ومريحة لأمن الأردن واستقراره.