كانت الأضواء مسلّطة على الخطوط الجوية الأردنية “الملكية” منذ أكثر من عامين. سجالات طويلة بين الحكومة السابقة ومجلس إدارة الشركة، حول رفع رأس مال الشركة، انتهت إلى تسويات مع الشركاء. وفي الأثناء، شهدت الإدارة العليا لـ”الملكية” تغييرات شملت رئيس وأعضاء مجلس إدارتها.
الجدل حول أوضاع “الملكية” لم يتوقف. وفي عهد الحكومة الحالية، استمرت التغييرات، وتسلمت رئاسة مجلسها شخصية تتمتع بخبرة إدارية واقتصادية رفيعة. إلى جانب ذلك، انضمت إلى مجلس الإدارة شخصيات جديدة.
ثمة معلومات مشفوعة بشهادات موثوقين عن تصفية حسابات بين قيادات في إدارة “الملكية”، بعد التغييرات الأخيرة وقبلها، عززها ارتباك ظاهر في أداء الشركة، انعكس بشكل جلي على مستوى خدماتها.
لكن أيا تكن الارتدادات الإدارية للتغييرات التي شهدتها الشركة، فهي تهون أمام مؤشرات مقلقة تهدد سمعة “الملكية” في مجال السلامة.
تحوز “الملكية” على سجل ناصع في مجال السلامة، يضاهي سجل الشركات العالمية الكبرى. وطالما شعر الأردنيون وسواهم بالثقة في اختيارهم رحلات “الملكية”، لقناعتهم بأن إدارة الشركة تولي موضوع السلامة أقصى اهتمامها، وتلتزم بقواعد صارمة في صيانة طائراتها، بما لا يترك مجالا لوقوع أي أخطاء.
في الأشهر الأخيرة، دب الشك في قلوب الكثيرين، مع تكرار الأخبار عن أعطال فنية تسببت في تأخير رحلات، وإعادة طائرات إلى المطار بعد إقلاعها بسبب ظهور أعطال فنية طارئة. شعار “رافقتكم السلامة” لم يعد مصدرا للثقة كما كان دوما.
وقد طالعنا هذا الخبر أكثر من خمس مرات في غضون الأشهر الثلاثة الأخيرة، من دون أن تقدم إدارة الشركة تفسيرا لهذه الظاهرة غير المسبوقة في تاريخ “الملكية”.
يتفهم المسافرون المشاكل الروتينية للطيران؛ كتأخير موعد الرحلات وإلغاء بعضها أحيانا، لظروف خارجة عن إرادة الشركة، أو اعتبارات أمنية تستوجب مزيدا من الإجراءات التي تصب كلها في مصلحة المسافرين.
لكن الأنباء المتكررة عن أعطال فنية وعودة الطائرات من الجو لإصلاحها في أكثر من مطار، تثير الشكوك لدى الكثيرين، وتطرح أسئلة مشروعة حول اختلالات في منظومة العمل، تنبغي مراجعتها على الفور، لتجنب تكرار مثل هذه المواقف، ودرء مخاطر أكبر لا سمح الله.
هل للأمر علاقة بالتغييرات التي حصلت في الشركة، وما يقال عن تصدر قيادات ليست ذات خبرة مراكز متقدمة؟
بعض المطلعين على أوضاع الشركة يلمح لذلك، لا بل إن خبراء في هذا المجال قلقون للغاية من تراجع الأداء العام للشركة، وغياب أدوات المساءلة والرقابة على دوائر وأقسام الشركة.
بعض مظاهر غياب المساءلة واضحة؛ في مشروع “البوابة الإلكترونية” على سبيل المثال، والتي تم تجهيزها منذ فترة طويلة، لتسريع إجراءات سفر المواطنين والمقيمين في المملكة، لكنها ما تزال معطلة حتى يومنا هذا، رغم أن الكثير من المسافرين الدائمين حصلوا على البطاقات الخاصة مقابل مبالغ مالية قاموا بدفعها للشركة.
لسنا في وضع يسمح لنا بالحكم على ما يجري في “الملكية”. لكن شركة تملك سيرة ناصعة في مجال السلامة والخدمة، قادرة على احتواء هذه الاختلالات وتصويب مسيرتها، ووضع نهاية لأخبار مزعجة بتنا نطالعها باستمرار.