عروبة الإخباري – كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، عن أن حزبًا يساريًا معارضًا على صلة بما يسمى بـ”الدولة العميقة” فى تركيا، لديه قنوات اتصال مع الرئيس السوري بشار الأسد، وأن مسؤولين من هذا الحزب يلتقيان الأسد ومسؤولين في نظامه، بهدف تهيئة الساحة لعودة العلاقات الدبلوماسية والتعاون السياسي بين تركيا وسوريا.
ووفقًا لـ تقرير المجلة الذي أعدته مراسلتها في إسطنبول سيرين كينار، فقد عمل أردوغان الشهر الماضي في إسطنبول على تحويل خصوم سابقين إلى أصدقاء جدد، كتطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسيا.
أما بالنسبة لسوريا، فمن الممكن أن يكون لها نصيب من سياسة تركيا لاستعادة العلاقات مع الدول الخارجية، فهل يمكن لتركيا أن تتصالح مع عدوها الأكبر الرئيس السوري “بشار الأسد؟.
تبادل رسائل
لقد قطعت تركيا كل العلاقات مع سوريا منذ سبتمبر العام 2011، بعد رفض الأسد القيام ببعض الإصلاحات لتهدئة الثورة السورية ضد نظامه، ومنذ ذلك الحين، تدعم تركيا المعارضة السورية التي تهدف لإسقاط نظام الأسد، كما أنها استضافت أكثر من 2.5 مليون لاجئ سوري.
لكن الحملة العسكرية الروسية الكبيرة في سوريا، بالإضافة إلى ادعاء حزب يساري سياسي قومي في تركيا، أثبتت أن أزمة اللاجئين في ازدياد، ناهيك عن استيلاء الميليشيات الكردية على الشمال السوري، كل ذلك لم يدع لتركيا خيارًا سوى أن تتعامل مع نظام الأسد، وفى الحقيقة يدعي هذا الحزب أن هناك تبادلاً للرسائل، قد حدث بالفعل بين تركيا والسلطة السورية.
وتنقل المجلة عن دوجو برينجيك، رئيس حزب العمال التركي المعارض، قوله: إنه حضر 3 اجتماعات مع أعضاء حكومات روسيا والصين وإيران وسوريا في العام الماضي، برفقة نائب الحزب الجنرال “إسماعيل حقي بكين”، رئيس الاستخبارات العسكرية التركية السابق، مبيّنا أنهما نقلا الرسائل التي وردت في الاجتماعات إلى مسؤولي وزارة الخارجية وكبار قادة الجيش التركي.
ويبدو أن برينجيك وبكين ثنائي غريب، حيث بدأ تعاونهما السياسي في السجن عندما تم اعتقالهما العام 2011 بتهمة التعاون مع شبكة “أرجنكون” التي زُعم أنها تابعة للدولة العميقة التي كانت تخطط لانقلاب عسكري ضد الحكومة المنتخبة.
ويتشارك كل من السياسيين، نظرةً سياسيةً مبنيةً على الالتزام الصارم للعلمانية والقومية التركية، بالإضافة إلى أنهما ضد الإمبريالية، ما دفعهما للتحذير من النفوذ الأمريكي والغربي على السياسة التركية.
لقاءات متواصلة
وتلفت المجلة إلى أن كلاً من بكين وبرينجيك التقيا الأسد لأول مرة في فبراير 2015 في دمشق، وخلال هذا الاجتماع قال برينجيك: “تحتاج تركيا وسوريا للتعاون معًا في محاربة الإرهابيين والجماعات الانفصالية”.
بالإضافة لزيارة بكين لدمشق ثلاث مرات فى يناير وأبريل ومايو برفقة كبار الضباط الأتراك المتقاعدين الذين هم أيضًا أعضاء في الحزب الوطني، الأميرال سونر بولات، واللواء بايزيد كاراتاس، وقال بكين عن تلك الزيارات إن الوفد التركي، قد التقى بعدد من الأجهزة الأمنية والدبلوماسيين والمسؤولين السياسيين الأكثر نفوذًا في الحكومة السورية، وكان من بينهم رئيس الأمن السياسي العام الأسبق محمد ديب زيتون، وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي، ووزير الخارجية وليد المعلم، ونائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد وعبد الله الأحمر، الأمين العام المساعد لحزب البعث السوري.
وأوضح بكين أن الفكرة الرئيسية لتلك الاجتماعات، هي تهيئة الساحة لعودة العلاقات الدبلوماسية والتعاون السياسي بين تركيا وسوريا.
وأضاف أن اجتماعه مع رئيس الأمن السوري “مملوك” وصل مباشرة إلى رأس الدولة وقال: كان مملوك يذهب بين الحين والآخر إلى الغرفة المجاورة ليتحدث مباشرة مع الأسد”.
كما قال بكين إنه كان يستجوب كبار رؤساء الخارجية والمسؤولين العسكريين التابعين، لوفد تركيا بعد كل زيارة لسوريا، ولاحظ تغييرًا تدريجيًا خلال آخر 18 شهرًا، كما أنه لاحظ أن الحكومة التركية لم يكن لديها استعداد لتغيير سياستها في يناير 2015، فيما كانوا في آخر زيارة أكثر مرونة.
عدو مشترك
إلى ذلك، أكد مسؤول فى وزارة الخارجية مقابلته لـ بكين، ولكنه أنكر بشدة، تفاوض تركيا مع نظام الأسد، حيث قال: “نعم لقد استمعنا إلى بكين، وإلى ملايين الأشخاص، حتى سائقي الشاحنات الذين قالوا إن لديهم معلومات حساسة عن مناطق النزاع، ولكن لم تكن هناك أي مقايضات في الاجتماع على الإطلاق”.
لكن بكين وبرينجيك يعتقدان أن القوى المتزايدة لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي حصل على منطقة تتمتع بحكم ذاتي في شمال سوريا على طول الحدود التركية، تستطيع أن تقنع تركيا بمناقشة الخلافات.
يذكر أن حزب الاتحاد الديمقراطي بالكاد يتبع حزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردًا منذ عقود طويلة ضد تركيا وتعتبره أمريكا وأنقرة منظمة إرهابية.
وتجادل بكين وبرينجيك حول ما إذا كانت تركيا ونظام الأسد، مقيدين بواسطة العدو “حزب العمال الكردستاني”، وقال بكين إنه سمع بشار الأسد يقول: “حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة خائنة وجماعة منفصلة، وليس لديه أدنى شك بأن حزبي الاتحاد الديمقراطي، والعمال الكردستاني هما حجر الشطرنج بالنسبة لأمريكا”.
كما قال بكين وبرينجيك إن الاتحاد الديمقراطي يتلقى دعما مهمًا من أمريكا، لذا يجب إقامة علاقات مع باقي دول المنطقة، ومن ضمنهم نظام الأسد “تقاتل تركيا ضد العمال الكردستاني من موقعها ولكن هذا لا يكفي، تركيا يجب أن تمنع الدعم الخارجي عن الاتحاد الديمقراطي وتقاتلهم لكي تهزم العمال الكردستاني، ولكي تقطع الدعم يجب أن تتعاون مع سوريا، والعراق، وإيران وروسيا”.
وبحسب الصحيفة، فإنه على أقل تقدير ستتعاطف الحكومة التركية مع هذا الجزء من الخلاف.
وكانت وكالة أنباء (رويترز) نشرت نقلًا عن مسؤول، طلب عدم ذكر اسمه، من حزب العدالة والتنمية قوله: “الأسد في نهاية المطاف قاتل، يعذب شعبه، لكنه لا يدعم الحكم الذاتي الكردي، ونحن قد لا يروق لنا أي منهما، لكننا نسعى لتطبيق بعض السياسات في هذا الشأن”.
ومع ذلك، فإن العديد من كبار المسؤولين في الجيش، نفوا زعم البعض أن تركيا غيرت موقفها تجاه نظام الأسد، وقال أحد المسؤولين لـ”فورين بوليسي”، إن فكرة تعاون تركيا مع نظام الأسد ضد الاتحاد الديمقراطي كانت “مضحكة”.
وأضاف أن: الأسد لا يستطيع أن يحمي الحي الذي يعيش فيه، فكيف تمكنه مساعدتنا لمحاربة الاتحاد الديمقراطي، الذي دعمه بنفسه ضد تركيا والمقاومة السورية”. لكن مشكلة سوريا ليست أول مشكلة يزعم فيها بكين وبرينجيك أنهما تدخلا فيها، حيث زعما أنهما قد ساعدا في التقرب من روسيا.
وقال بكين، الذى قام بزيارة روسيا فورًا بعد سقوط الطائرة الروسية: “طلبت منا مجموعة من رجال الأعمال المقربين من أردوغان، أن نساعد في تحسين العلاقات مع روسيا”.
وقام وفد بكين بتقديم رجال الأعمال إلى الكسندر دوغين “فيلسوف روسي متطرف”، والذي أشار إلى أنهم يجب أن يقدموا اعتذارًا، ما دفع برينجيك إلى ادعاء أن المواطن التركي “بارسلان سيلك” هو من قتل طيار الطائرة التى سقطت، واعتقل “سيلك” مباشرة بعد هذا الاجتماع، فى حين قالت مصادر مقربة من الرئاسة إنهم ليس لديهم أية معلومات بشأن هذا الاجتماع.
وردًا على سؤال عما إذا كان الحزب الوطنى بمثابة الوسيط بين تركيا وسوريا قال برينجيك: “نحن لا نأخذ توجيهات من أي شخص”، كما امتنع “بكين” و”برينجيك” عن استخدام مصطلح “الوسيط” لتحديد مجالات عملهما.
وأضاف “برينجيك” :”هناك الكثير من الناس داخل حزب العدالة والتنمية، وخصوصًا حول رجب طيب أردوغان، يرون أن العداوة مع سوريا وروسيا لا يجب أن تستمر، وفي الواقع هذه هي طريقة تشكيل الحكومة الجديدة”.
يلدريم وتحسين العلاقات
وتشير “فورين بوليسي” إلى أن التحولات فى السياسة الخارجية التركية تجاه روسيا وإسرائيل تتفق تمامًا مع التحولات السياسية فى أنقرة، فبعد خلافات طويلة الأمد مع “أردوغان” استقال رئيس الوزراء “أحمد داود أوغلو” في 4 مايو، وقد حل محله “يلدريم” الذي أكد أنه لن يواصل سياسات سلفه.
وأضاف يلدريم: “سنعمل على تحسين العلاقات مع جيراننا”، كما أدلى بتصريح لأكاديمية “حزب العدالة والتنمية” :”ليس هناك سبب لنا للقتال مع العراق أو سوريا أو مصر، ولكننا بحاجة إلى المضي في التعاون معهم للوصول إلى مدى أبعد من ذلك”.
فيما أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن الجيش التركي استعاد القدرة على التأثير على السياسة، فى حين تتصاعد القضية التركية والتهديدات الأمنية الإقليمية على مدى عقود.
وكانت القوات المسلحة التركية تسيطر بشكل مباشر على الحكومات المنتخبة ديموقراطياً، ونظمت أربعة انقلابات لحماية الامتيازات السياسية، إلا أن الجيش فقد النفوذ فى ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، لكن الانفصال القبيح بين حزب العدالة والتنمية وحركة “كولن” الذي انشق فى أواخر العام 2013، منح السلطة للمؤسسة القديمة، فى حين استُخدمت حركة “جيولينسست” الدينية ليكون لها تأثير قوي في مؤسسات الدولة، حيث يتم استبدال هؤلاء الأشخاص مع أولئك الموالين للجمهورية والأمة ومن هم ضد الشللية الدينية.
وقال مسؤول كبير فى حزب العدالة والتنمية للمجلة، “إن هناك بعض الحوادث المؤسفة فى الماضي بين الحكومة والجيش، ولكن العلاقات بين الاثنين أصبحت جيدة جدًا الآن.”
كما قال مسؤول فى الجيش: “من المعروف أن الجيش التركي حذر من سياسة البلاد ضد الأسد”، في حين قال مسؤول حكومي رفيع المستوى، وهو من بين صناع السياسات الخاصة بالشأن السوري التركي: “إن الحكومة تريد إقامة منطقة عازلة فى شمال سوريا، إلا أن الجيش قاوم هذا القرار في وقت مبكر منذ العام 2011”.
نفي تغيير الموقف
وقال “برينجيك” :”من البداية جدًا كان الجيش التركي يعمل لصالح الحفاظ على الصداقات والعلاقات الجيدة والتعاون مع سوريا والعراق وإيران وروسيا.”
و تنفي الرئاسة بشدة هي ومصادر في وزارة الخارجية شائعة، فحواها أن تركيا تحول سياستها إلى سياسات سوريا قائلة: “الإطاحة بنظام الأسد لا تزال تشكل أولوية بالنسبة لتركيا”، ومع ذلك لاحظ مراقبون آخرون، تغييرا في موقف أنقرة تجاه سوريا.
وأشار عبد القادر الصحفي المخضرم بصحيفة “حريت” التركية، إلى حالة انتقال تركيا من عصر المثالية الذي يجسده “داود أوغلو” إلى عصر الواقعية الذي يجسده مؤيدو الحكومة، باعتباره إيذانًا بعصر جديد.
وبحسب عبد القادر، فإن الحكومة التركية ستواصل انتقاد النظام السوري، لكنها ستبذل في الوقت ذاته أقل جهد لإسقاط الأسد والتعاون مع الجهات الفاعلة التي تريد منع إقامة ممر كردي في شمال سوريا.
وأضاف أن :”سلامة أراضي سوريا هي الآن أكثر أهمية للدولة التركية من مصير نظام الأسد.”