قبل شهرين، انتزع دونالد ترامب الترشيح عن الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، وأظهرت استطلاعات الرأي العام أنه يتقدم على هيلاري كلينتون بفارق اثنين في المئة بين الناخبين المسجلين.
الآن أقرأ استطلاعاً يجعل كلينتون تتقدم عليه بنسبة 51 في المئة إلى 39 في المئة، واستطلاعاً آخر تسجل فيه كلينتون 44 في المئة مقابل 38 في المئة لترامب.
كيف حدث هذا؟ نصف الناخبين الجمهوريين المسجلين لا يريدون ترامب ويقولون إنه لا يمثلهم ولا يعبِّر عن مبادئهم. وبين الناخبين جميعاً يقول اثنان من كل ثلاثة، أي غالبية الثلثين، أن ترامب لا يصلح رئيساً. الآن أقرأ أنه قد يختار نيوت غينغريتش لمنصب نائب الرئيس، وهو مثله في الانحطاط السياسي.
هناك عبارة بالإنكليزية أترجمها بتصرف الى العربية هي: لا يفتح فمه إلا ليضع قدمه فيه، والمقصود أن صاحب هذا الفم لا يتكلم إلا ويخطئ. ترامب لا يعرف السكوت، وقد خاض أخيراً حرباً مع حزبه الجمهوري عندما هاجم اتفاقات تجارية عالمية مثل اتفاق التجارة الحرة في أميركا الشمالية واتفاق الشراكة عبر المحيط الأطلسي. وعندما احتجّت غرفة التجارة الأميركية هاجمها مرة بعد مرة وزعم أنه يستطيع انتزاع اتفاقات أفضل. الحرب مع أركان الحزب الجمهوري مستمرة ولا بد أن أعود إلى ما يستجدّ من تفاصيل في المستقبل القريب.
إذا لم تكن حرب ترامب على التجارة فهي على الإسلام والمسلمين. قرب نهاية السنة الماضية، أعلن أنه عندما يصبح رئيساً سيمنع 1.6 بليون مـــسلم حول العالم من دخول الولايات المتحدة. وثار الأميركيون عليه لأن كلامه يخالف نصّ الدستور وروحه والقيَم الأميركية، وكان أن عدّل اقتراحه ليصبح منعاً موقتاً، من دون أن يحدد مدى هذا الوقت، وعلى أسس جغرافية لا دينية، فهو قال إنه لا يريد دخول ناس من دول إرهابية. وهو يتهم هيلاري كلينتون بالفساد، مع أنهم لو نحتوا تمثالاً للفساد لكان على شكله.
إذا كان من عزاء للمسلمين في حملة ترامب عليهم، فهو أن المرشح الجمهوري هاجم كلينتون وقال «نحن لا نعرف شيئاً عن دينها. هي تحت مجهر الشعب منذ سنوات وسنوات ولا شيء دينياً هناك. ستكون امتداداً (للرئيس) أوباما، بل أسوأ لأننا على حذر من أوباما ولكن لسنا كذلك مع هيلاري لذلك سيكون الوضع أسوأ». لا أعرف شخصياً مدى تديّن كلينتون، ولكن رواية سيرتها الذاتية التي كتبها كارل بيرنستين وصدرت سنة 2007 سجلت أن الكنيسة المنهجية (إحدى الكنائس البروتستانتية) أهم شيء في حياتها بعد أسرتها.
هل من مزيد؟ نعم، فبعد التجارة والإسلام والمسلمين لا يزال ترامب يصرّ على العنف في مواجهة الإرهابيين ويقول إن «إدارته» ستفعل أشياء تستعصي على التفكير. هو كان أيّد تهديد المعتقلين بإغراقهم بالماء ولا يزال عند هذا الرأي مع اقتراح تعذيبهم لانتزاع الاعترافات منهم.
أكتب وأمامي مقابلة تلفزيونية مع دونالد ترامب تستحق أن تُترجَم إلى العربية وتُنشَر كاملة، لأنها تعكس مدى تطرف هذا الرجل الذي يريد أن يبني سوراً حول الولايات المتحدة لا يمنع المسلمين وحدهم من الدخول بل أيضاً الناس من أصول إسبانية في أميركا اللاتينية. هو ثقيل الى درجة أن اثنين آخرين من مساعديه استقالا من حملته الانتخابية.
لا عجب بعد هذا كله أن كبار المتبرعين من أصحاب البلايين في الحزب الجمهوري ابتعدوا عن ترامب، حتى لا يدفعوا ثمن أخطائه. هو كان وعد يوماً بالتبرع بالملايين للجمعيات الخيرية وتبيّن أن تبرعه لم يزد على عشرة آلاف دولار في سبع سنوات.
يقولون في بلادنا: إلحق الكذّاب لحد الباب. باب انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وترامب لن يدخل منه الى البيت الأبيض.