المنطقة تغرق ولا أمل بالنجاة. الأسابيع القليلة الماضية شكلت نقطة تحول كارثية في حياة شعوبها،وتأكد بالدليل الدامي أننا جميعا في قبضة الإرهاب والتطرف؛ يضرب متى شاء وأين يشاء. مروحة أهدافه واسعة، ولا تميز بين معسكر ومقهى.
نكابر بالقول إننا لانخشى إرهابهم. لقد وضعوا العالم كله في قفص الخوف والقلق. أميركا تتحسب ليوم احتفالات الاستقلال. فرنسا تعد الساعات لنهاية “يورو 2016 “. الأتراك يتساءلون أين تكون الضربة القادمة. بنغلادش لم تسلم من جرائمهم. لا تمييز في الأهداف والدول والأديان والطوائف؛ وحوش انطلقت من جحورها ولاتفكر بغير الموت والقتل.
ننام ونصحو على أخبار التفجيرات؛ سيارات مفخخة، وانتحاريون، قنابل موقوتة، ومسلحون يفتحون نيران بنادقهم في كل مكان. لم تعد لنا صلة بالحياة، جل مانفعله كل صباح هو إحصاء عدد الضحايا وجنسياتهم، وترقب التفجير التالي.
ما أن نسمع جرس التنبيه في هواتفنا، حتى ندرك أن خدمة الأخبار العاجلة تحمل إلينا فاجعة جديدة؛ انفجار يهز المطار الفلاني، سيارة مفخخة تقتل عشرين عراقيا، أو سوريا، وهكذا على مدار الساعة.
يكاد المرء منا أن يختنق من أخبار الموت التي لاتنتهي. كيف تستقيم الحياة وسط شلال الدم وصور الأشلاء المقطعة؟ من يتحمل متابعة مأساة الطفل الأردني المصاب في هجوم اسطنبول الإرهابي؛ كاد أن يوضع في ثلاجة الموتى وهو على قيد الحياة.
نشعر بالأمان أكثر من غيرنا؟ صحيح، لكننا القلق لايفارقنا؛ نتحرك بحذر في الأسواق، ونوصي بعضنا البعض أن لانسترخي طويلا في المقاهي، ولا ندخل”المولات” إلا للضرورة القصوى.
شيئا فشيئا نفقد الشعور بقيم الحياة ولا نعود لتذوق طعمها، ونفكر بخطر الموت في أية لحظة.
يقولون إن الحياة أقوى من الموت، وسننتصر على دعاة الظلام والقتل. صرت أشك بقوة هذه الحكمة. من يعيش في منطقتنا، لايعرف يوما انتصرت فيه الحياة على الموت. كل مافي الأمر أن شعوبا كثيرة استسلمت للواقع، حياتها وموتها واحد وسط هذا الجحيم. أي حياة في العراق وسورية واليمن وليبيا. في لبنان كان الإرهابيون يتجولون بأحزمتهم الناسفة في الشوارع الخالية من البشر، بحثا عن احياء ليقتلوهم. في العراق من لم يمت على يد “داعش” ينتظره الشقاء في مخيمات العراء المحروسة من مليشيات طائفية جاءت لتنتقم من الضحايا.
إن لم تكن من بين الضحايا، فإنت من بين الشهود على الموت؛ كل ساعة وكل دقيقة.
ربما يكون “داعش” ككيان وتنظيم على وشك الهلاك في العراق وسورية، لكنه أنجز المهمة بامتياز؛ فقد زرع ثقافة الموت في الأرض أو لنقل أحياها من جديد، وسيترك المهمة لأجيال من بعده؛ تقتل وتذبح في أرجاء المعمورة.
وقد يكون بمقدور الدول البعيدة محاصرة العدوى؛ دونالد ترامب يحمل الوصفة اللعينة. لكن في منطقتنا ضربت نبتة التطرف جذورها في أعماق الأرض، ولن نفلح في اجتثاثها في الأمد المنظور.
قدر هذه المنطقة أن تعيش لسنين طويلة أسيرة لثقافة الموت والخوف والجهل.