عروبة الإخباري – لم يسعني إلاّ أن اتخذ من عنوان كتاب المرحوم مصطفى كامل باشا عنوانا لهذا المقال، فالاستسماح من روح كامل واجب خاصة أنني لم استأذنه في استعارة عنوان كتابه “المسألة الشرقية لعام1909 ” كمقدمة لهذا المقال. بينما يسرد المرحوم كامل تفاصيل المسألة الشرقية سردا تاريخياً وافياً للمشاكل التي عانت منها الدولة العثمانية.
يبدو جليا أن كثيرا من العناصر التي ساعدت على انهيارها لازالت تتكرر حتى بعد مئة سنة على تقسيمها وما يقرب على قرنيين ويزيد من محاولة فهمنا للفكر الغربي في التخطيط والتنفيذ لمشاريعه، إلاّ اننا بعد كل هذا الوقت يبدو اننا لم ولن نتعلم من أين تؤكل الكتف، فنحن أشبه بالعجين الممتاز الذي دائما بانتظار الخباز.
كامل ايضا يناقش في كتابه مسألة المدسوسين في اروقة الدولة العثمانية وكيف ساهمت جهودهم وسياسة ما بات متعارف عليه اليوم بالدبلوماسية في تأجيج الأقليات الدينية و الأقليات الاخرى ضد الدولة العثمانية لمصالح دول أوروبية كبريطانيا و غيرها و إشعال فتيل الحروب بين اليونان و روسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية تحت مسميات حماية الأقليات الدينية كالأرمن تارةً وتارةً تحت مطلب الجنسية خاصة في البلقان والقرم اللواتي كانتا تحت الحكم العثماني.
فهذا الكتاب يكشف نوايا التقسيم للدولة العثمانية في أواسط القرن الثامن عشر وكيف عمل الغرب بعناية كي يحقق الهدف ففي الوقت الذي كانت فيه دولة الخلافة قوية ولم يكن تقسيمها ممكنا عسكريا لجأ الغرب الى دس واختراق الدولة من الداخل و افساد مقربي السلطان او ما يعرف اليوم بالعمل الاستخباراتي وتأجيج الأقليات مرورا وليس انتهاءً بالعرب الذين كانوا يسبحون في فلك السلطان حتى أُضعفت الدولة و باتت ماردا من كرتون. والآفة للانتباه مراعات مصطفى كامل لخطورة انهيار الدولة العثمانية و تلاشي وجود اي ميزان للقوة بين الشرق والغرب مؤكداً ان الكوارث التي ستلحق انهيار الإمبرطورية لن يكون لها مثيل في تاريخ البشر بسبب طبيعة هذه الدول و تحليله للمعطيات كان صحيحا الى ان الدولة العثمانية لم تستطع ان تتأقلم بسرعة مع ما يحاك ضدها و الفساد كان مستشرياً فيها حتى انهارت في الحرب العالمة الأولى.
من المفهوم ان كل إمبراطورية مألها الانهيار لا محالة و بعد انهيارها تأخذ وقتً طويلا كي تتماسك وتنهض و بالأغلب لن تعود الى سابق مجدها لانه هنالك دائما من هو سعيد بملء الفراغ فالقوة تعمل بنفس نظرية مات الملك عاش الملك ولا وجود للمهزوم او المرتبة الثانية في صفحات التاريخ. ولكن للقاعدة شذوذ فليس من الضروري على الامم العظيم في التاريخ كالعرب والمسلمين الذين تجردو من التخلف في ذالك الزمان و الذين حكموا العالم اكثر من الف سنة ان تأوُّل حالهم الى ما حالت اليه وان يظلوا غارقين في الظلام لأكثر من قرن و بمعطيات الوضع الراهن يبدو بأننا مقدمون على قرنٍ اخر من الظلام والإنهزام.
صحيح بان هنالك نظريات مختلفة تلقي بالوم على الغرب في كل ما يخص العرب ولكن أكثرها ترهات فبعد حربين عالميتان ارهقت أوروبا و فتت الامبراطوريات كافة وبرز من خلالها قوتان على نقيض في مكان العثمانين و بريطانيا و عدد من الإمبراطوريات الاخرى، أين كنّا نحن العرب الذي يجمعا لسان و عادات و عقيدة وفي بعض الأحيان دينٌ واحد من التجمع والاتحاد من عدا محاولات فردية لعبد الناصر والبعث السوري بقيادت ميشيل افلك التي باتت كلها بالفشل لصالح الغطرسة والديكتاتورية؟
تغيرت الأسباب والموت واحد بالنسبة للعرب، ففي المئة عام المنقضية تطورت البشرية بمقدار كل عمر البشرية و اصبح البشر للمرة الأولى يمتلكون القدرة على تدمير الارض وما عليها بدخولهم العصر النووي في عام 1945 و نحن العرب مازلنا نراوح مكاننا و في الحقيقة الوضع اليوم اسوء بكثير عما كانت عليه حال الأمة قبل 1945، فمعظم الأمور التي تجري في الدول العربية هي تكرار لما كان يجري قبل اكثر من قرنين من الزمن وأسلوب تفتيت الدول بإنشاء وافتعال نعرات طائفية و دينية و مذهبية يتجلى في العراق و سوريا ولبنان و اليمن وغيرها ويحمل نفس التوقيع المستخدم على مدا اكثر من قرنين لتحقيق مصالح الدول المستفيدة من هذا المشروع و من خيرات المنطقة العربية، لكن السؤال هو لماذا لم نتعلم من اخطائنا و تجاربنا ام نحن غير قابلين للتغير؟ الم يقل الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم لا يلدغ المؤمن من جُحرٍ واحد مرتين، فلماذا نعيد الخطأ الف مرة؟ هل ينقص هذه الأمة الإيمان حقاً؟ هل ما يحدث ايضا في الدول العربية المذكوره لن يتوقف الى اذا أصبحت قوية بغض الطرف كيف و ماذا يعني هذا؟ هل تكون تركيا اول من فهم اللعبة ولو متأخرا بتصالح مع اسرائيل كي تبعد كابوس الاٍرهاب عنها ولو مأقتً وتهدئة الأقليات المتناحرة مع الدولة وبهذا انصاعت لطلب الاقوى استخبراتيا و القادر على اختراق الآخر دون اللجؤ للقوة العسكرية؟
تمّام سلطان الحطاب