لم نسمع بعد تقييما عميقا لهجوم الركبان الإرهابي. المعلومات المتاحة ذات طبيعة فنية بحتة، وأقرب ما تكون لوصف مخطط الهجوم بالسيارة المفخخة. وربما تكون الأسئلة المطروحة حول الهجوم استخبارية يصعب الرد عليها لاعتبارات أمنية مفهومة؛كيف بلغت السيارة المفخخة نقطة عسكرية متقدمة دون أن يرصدها نظام مراقبة الحدود الإلكتروني؟ وماهى قواعد التعامل مع سيارات مجهولة الهوية عندما تقترب من موقع عسكري؟
لقد نجحت قوات حرس الحدود دائما في رصد وتدمير المركبات قبل أن تصل حدودنا. لماذا تمكنت هذه المركبة على وجه التحديد من التسلل إلى ماوراء الساتر الترابي؟
كما قلت؛ ربما يكون متعذرا الحصول على إجابات واضحة لأسئلة أمنية، لكن ماذا عن التوقعات للمستقبل القريب؟ هل نحن أمام مخطط مبرمج لاستهداف قواتنا على الحدود مع سورية أم انها عملية معزولة يصعب تكرارها؟
إذا كان الهدف من إغلاق الحدود أمام تدفق اللاجئين، وهى مغلقة أصلا مقارنة مع ماكانت عليه قبل سنوات، فإن ذلك القرار لايقدم ولايؤخر على الصعيد الأمني؛فالإرهابيون يستخدمون وسائل متعددة لاختراق الحدود.
وهنا يبرز سؤال مقلق؛هل كان هدف الجماعة الإرهابية من وراء عملية الركبان اختبار الجاهزية لعمليات لاحقة ؟
بالنظر إلى النتائج، هجوم الركبان الإرهابي سيحفزهم على التفكير بعمليات أخرى. لايمكن أن يفوت هكذا استنتاج بديهي على القيادات العسكرية والأمنية. ولاشك أنهم بصدد إتخاذ إجراءات أكثر تشددا.
لكن لننظر إلى الصورة بشكل أشمل؛ الهجمات الإرهابية التي تعرض لها الأردن في السنة الأخيرة، وأوقعت خسائر بشرية كانت موجهة لمواقع عسكرية وأمنية؛ عملية الركبان، والهجوم على مكتب مخابرات البقعة، ومن قبل إطلاق النار في مركز تدريب الشرطة بالموقر.
خريطة الأهداف تشير بوضوح إلى أن الإرهابيين يستهدفون بالدرجة الأولى المواقع العسكرية والأمنية، وليس المدنية، في سياق استراتيجية معلنة لتنظيم “داعش” الإرهابي، ومن يواليه أو يتعاطف معه في الداخل الأردني، سبق لقادة في هذا التنظيم أن تحدثوا عنها علنا، وحثوا أتباعهم على استهداف جيشنا وقواتنا الأمنية، لتحقيق هدفين مزدوجين؛ خلق حالة من الارتباك في صفوف قوات حرس الحدود والأجهزة الأمنية، وهز ثقة الأردنيين بتفوق أجهزتهم العسكرية والأمنية، وصولا لتحقيق الغرض المنشود؛ خلخلة الصفوف لاختراقها.
“داعش” في وطو الهزيمة كتنظيم في العراق وسورية، وهو ليس بوارد الاستسلام لهذه النتيجة، وسيحاول قدر ما يستطيع فتح جبهات؛ قريبة وبعيدة، لاستعادة زمام المبادرة.
الأردن في حالة تأهب منذ سنوات، ويراهن الإرهابيون على فتور المعنويات والجاهزية مع مرور الوقت، لإحداث ثغرة في الصفوف، وإشعال جبهة الحدود، بالتزامن مع عمليات في الداخل.
يتعين التفكير جديا بهذا الأمر، وإعادة بناء الجاهزية على كل المستويات لمواجهة موجة جديدة من الاستهداف. والأمر بات يتطلب مراجعة شاملة للقدرات، واختبار الجاهزية، وحشد الطاقات لتأمين سلامة المقرات الأمنية والعسكرية، والمؤسسات السيادية، كي تكون قادرة على القيام بواجباتها في حماية أمن واستقرار المملكة وحدودها.
باختصار، عمليات إرهابية كالتي أشرنا إليها سابقا يجب أن لا تتكرر، مهما كان الثمن.