أسوأ ما يمكن أن تفعله الحكومة هو أن تمرر سياسات الجباية المنحازة ضد الفقراء ومتوسطي الحال في ظل الظروف الحزينة التي يعيشها المواطنون. فهذا الموقف الاستثنائي للتضامن، لا يصلح له مزيد من السياسات التي تمس معيشة المواطنين. ويمكن أن تجد الحكومة خيارات وبدائل أقل انحيازا؛ تخفيض الإنفاق، ومواجهة التهرب الضريبي، وإعادة النظر في ضريبة الدخل كما الإعفاءات والتخفيضات التي منحت للبنوك والفنادق وشركات الاتصالات. بل إن الحكومة مررت بعد حادثة البقعة مباشرة قرار إعفاء كامل لأجهزة الكشف عن الأسلحة والمتفجرات من الضرائب، وهي بذلك تظهر انحيازا لفئة محددة من التجار، وفي المقابل فإنها تتجه إلى المستهلكين لتضيف عليهم أعباء جديدة. ولم يعد سرا ان أسعار المحروقات مبالغ فيها، وأنها تتضمن ضريبة مرتفعة جدا، وأن زيادة استخدام السيارات مرتبط بفشل منظومة النقل العام، وأن السجائر والمشروبات الكحولية فرضت عليها ضرائب مبالغ فيها على نحو صار يشجع الغش والتهريب، ويلحق ضررا بالاقتصاد أكثر مما يفيد.
إن السياسات الضريبية تحكمها العدالة والانتفاع والقدرة على الدفع. وفي ذلك، فإن المواطنين يجب أن يكونوا مقتنعين بجدوى وأهمية سياسات الحكومة وقراراتها بالنسبة لحياتهم ومصالحهم وأعمالهم، وما يتلقونه من خدمات. وفي ظل الحاجة الى التضامن والتماسك، فإن الحكومة يجب أن تقدم على خطوات إيجابية لصالح المواطنين غير “نتف ريشهم”!
هناك سرعة وجرأة حكوميتان في زيادة الضرائب. لكن الحكومة لم تقدم على مبادرات بالسرعة نفسها لتحسين الخدمات الأساسية في التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية. ولا يشعر المواطنون أن الجباية الضريبية تعود بالتحسن على حياتهم وعلى الخدمات الأساسية؛ ففي الوقت الذي تزيد فيه الضرائب، يتراجع مستوى التعليم والرعاية والمرافق والبنى الأساسية. وفي ذلك، فإن الحكومة تدخل في مواجهة وأزمات مع المجتمعات والناس. وإذا كانت الأحداث السياسية والإقليمية مشجعة على سياسات مجحفة بحياة الناس وحقوقهم، فإن ذلك يؤسس أيضا لانقسام اجتماعي وشعور فئات من الناس بالتهميش والاستهداف.
معلوم، بالطبع، أن الخوف يدفع الناس إلى القبول بما لا يوافقون عليه وهم ليسوا خائفين. لكن يجب أن نتأكد أيضا أن لدى الناس آمالا تجعل ما لديهم وما يملكونه يستحق الخوف من أجله والحرص عليه. والأولى والأكثر جدوى أن توظف الأحداث المؤلمة في بناء تماسك سياسي؛ فالمواطنون يظهرون دائما تضامنا وتماسكا في الأحداث والظروف المؤلمة، ويجب استثمار ذلك في تخفيف الصدمة والمصيبة، وأن نثبت لأنفسنا بأننا أقوياء وقادرون على المضي في حياتنا وأعمالنا، وأن تثبت الحكومة أيضا أنها مع الناس وليست ضدهم!