ستة شهداء من العسكر، نزفّهم بفخر واعتزاز، والجميع ملتف حول الجيش الأردني تعبيراً عن موقف واحد: “كلنا الجيش.. كلنا حرس الحدود”؛ في إجماع راسخ على دور جيشنا دوماً منذ تأسيسه، كما إدراك لخطورة الإرهاب اليوم على أمننا واستقرارنا.
جرائم الإرهابيين الساعية إلى نشر الرعب بين الأردنيين، ليست إلا محاولات بائسة يائسة، لأن النتيجة دائماً واحدة؛ رد موحد على كل تلك المحاولات الجبانة بأننا كلنا أردنيون في مواجهة الظلام والإرهاب. وفوق ذلك معرفة القتلة يقيناً أن دماء شهدائنا لن تذهب هدرا، بل سيزداد رد الأردن على الإرهابيين قوة.
دماء الشهداء معاذ الكساسبة وراشد الزيود ومن ارتقوا في حادثة مخيم البقعة وشهداء أمس من حرس الحدود، لن تضيع. نعم، إنها حربنا على الإرهاب، وشبابنا قدموا أنفسهم فداء لوطنهم وإخوتهم الذين هم كل الأردنيين. وفوق ذلك، كان شهداء أمس من إخوتنا ومبعث فخرنا، على الحدّ يغيثون الملهوف، فيؤدون دورهم الأخلاقي الذي يميزهم أردنيين منتمين لأمتهم وإنسانيتهم.
لا نعلم كل تفاصيل جريمة “الركبان” بحق رجالات جيشنا وأمننا. لكن المؤكد هو أن العسكر ارتقوا شهداء هناك كي نحيا، بعد أن تعبوا وكدوا على مدى السنوات الماضية لننعم نحن بالأمان.
هي حربنا من دون نقاش. وحصار هذا السرطان الذي تنتشر خلاياه المسمومة بيننا، يجعلنا صفا واحدا بقول واحد: “كلنا الأردن”. ولأنها حربنا جميعا، والخطر يطالنا كافة، فإنه ما عاد ممكناً السكوت عن قصور بعض المؤسسات، ولاسيما تلك المعنية بالفكر والثقافة والتنوير.
الخطر القادم من الخارج كان متوقعا. ولطالما حذر الأردن من مخاطر يحملها اللجوء السوري بين ثناياه، تحديدا عندما كان الأمر يتعلق باللاجئين المتواجدين بين الحدين؛ مؤكدا أن بين اللاجئين إرهابيين قادمين من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابي.
وجاء الرفض الأردني لفتح الحدود على مصراعيها في أكثر من مناسبة، وعلى أكثر من مستوى. وقد تنبه جلالة الملك ونبه شخصياً إلى ذلك غير مرة. وكانت المعادلة الأردنية واضحة: أولويات الأمن الوطني تسبق أي اعتبارات أخرى حتى الإنسانية منها.
التحذيرات الأردنية كانت متتالية، لكن لم يكن المجتمع الدولي ولا مفوضية اللاجئين تستمع لها؛ على العكس، حاول الجميع ممارسة الضغوط على الأردن لفتح الحدود من دون مراعاة للبعد الأمني.
اليوم، يوجد في المنطقة الحرام نحو 102 ألف شخص، يقيمون في مخيمات عشوائية هناك، نصفهم تقريبا تقدم بطلب لجوء. وبعض أولئك تجار حروب يعتاشون على مصائب الآخرين، وعدد كبير من أنصار التنظيمات الإرهابية. وبعد حادثة مخيم الركبان أمس، ووقوع المحذور الذي أدى إلى ارتقاء ستة شهداء أردنيين أطهار، اختلف الموقف.
فعلى مفوضية اللاجئين، وكذلك الدول المانحة التي لم تعترف بحجم العبء الذي يتولاه الأردن، الإقرار بقصور أدائهم هم، وعجزهم عن تشخيص وتوصيف الواقع، وبالتالي خطئهم بممارسة الضغوط لإدخال جميع اللاجئين. ومن هنا يلزم على تلك الأطراف التفكير في كيفية ضبط تلك المنطقة، بتوفير قوى أمنية أممية، تشرف على تلك المناطق وتضبطها، في ظل غياب السيادة عن الجزء السوري، وغياب الجيش السوري عن تلك المنطقة التي تعتبر “ضعيفة أمنيا”، ما يحتاج أيضاً إلى قرار بإبعاد المخيمات عن السواتر الترابية لمسافات آمنة.
تلك البؤرة صارت عامل تهديد؛ إذ فيها إرهابيون وتجار سلاح ومخدرات. والعدد يتزايد بمرور الوقت نتيجة بطش النظام هناك، في وقت يسعى الإرهابيون إلى الاعتداء على الأردن الذي أوجعهم وقض مضاجعهم.
من جديد، لا تشكل عملية مخيم الركبان اختراقا أمنيا حقيقيا. لكن توقيت العملية ما بعد الفجر، وقبلها عملية البقعة في التوقيت ذاته، تؤشران إلى نقطة يلزم التنبه إليها.
عملية الركبان دليل جديد على التحديات والتهديدات الكبيرة التي تواجه الأردن من الداخل والخارج. ومع التأكيد على أن ما حدث لن يكون سبباً لإغلاق الباب في وجه إخوة لنا فروا من إرهاب التنظيمات والنظام في سورية، إلا أن الجريمة تظل أيضاً حافزاً للحذر أكثر، حتى يواصل جيشنا دوره المهني والإنساني الشجاع من دون أدنى ضرر.
لأن وطننا، شعباً وأرضاً، أمناً وأماناً وعزة، غال علينا، ترانا نغضب من كل فعل إرهابي، هو بالتعريف مريض متحلل من كل خُلق وإنسانية. لكن ذلك يزيدنا إصرارا على حماية أردننا والالتفاف حوله.