لا نحتاج إلى تقرير وزارة الخارجية الأميركية المتعلق بجهود الدول في محاربة التطرف، لنعرف أن الاستراتيجية التي وضعتها، قبل عامين، حكومة د. عبدالله النسور السابقة، مخبأة في الأدراج. كما لم نكن ننتظر هكذا تقرير ليقول لنا إن الخطة الرسمية لمحاربة التطرف لم تطبق بعد كما يجب، بل إن جزءا كبيرا منها ما يزال حبرا على ورق! فنتائج هذا الإهمال ماثلة أمامنا، كنتيجة لغياب خطة طريق أو خريطة واضحة لتطبيق الاستراتيجية.
بحسب التقرير الصحفي الذي أعدته الزميلة تغريد الرشق، بشأن تقرير “الخارجية” الأميركية، ونشرته “الغد” مطلع هذا الأسبوع، فإن هذا الأخير لا يكاد يضيف شيئاً مهماً لمعلوماتنا، حين يؤكد أن الاستراتيجية الأردنية “ظلت تعاني من قلة الموارد وبقيت بلا كادر” لتنفيذها.
بالتفصيل، فقد تطلب الأمر في البداية تعيين شخص يتابع، مع فريق عمل، تنفيذ الاستراتيجية. وتم فعلاً اختيار ضابط متقاعد برتبة لواء من الأمن العام. وكان القرار حينها أن يكون مقر الفريق مركز إدارة الأزمات. لكن النتيجة لم تكن طيبة؛ إذ لم تتوفر البيئة المواتية والحاضنة في المركز، فغادر هذا الفريق، قليل العدد أصلاً، إلى وزارة الداخلية. وهو موجود هناك اليوم، لكنه يدرك أن مهمته الحقيقية لم تبدأ بعد، طالما أن الجهود ما تزال غير موحدة ومشتتة في إدارة ملف خطره يصيبنا جميعا من دون استثناء.
بصراحة، لا أدري أسباب الإهمال الرسمي في تطبيق “الاستراتيجية”. لكن، هل نملك “ترف” ذلك؟ وكم يجب أن نخسر من أبنائنا قبل إعلان حالة الطوارئ لتنفيذ الخطة الفكرية لمحاربة التطرف والفكر الظلامي؟ وقبل ذلك، ما هي أسباب عدم إعلان مضمون الاستراتيجية، بل والتعامل معها وكأنها أحد أسرار الدولة الخطيرة؟! علماً أن نشر تفاصيل الاستراتيجية ينطوي على فوائد جمة، حتى للقائمين عليها، فيما مخاطر عدم إشهارها ونشرها، وبالتالي مراقبة العمل على تنفيذها، تتزايد، لاسيما في ظل معلومات تشير إلى مخاطر تفشّي هذا الفكر أكثر، نتيجة غياب الحلول والرادع محليا.
إذ يشير استطلاع، غير منشور، إلى أن 4 % من الأردنيين ممن تزيد أعمارهم على 18 عاما، يعتقدون أن فكر تنظيم “داعش” يمثلهم. وحتى لو كانت النسبة أقل أو أعلى قليلاً، فإن الخطر يظل قائماً، لأن النتيجة تبقى ببساطة هي أن بيننا مئات الآلاف من الشباب المؤمن بذلك الفكر، أو المهيّأ لاحتضان هذا المرض الفكري؛ ربما لأن وعيهم لم يتعرض لخطاب ديني تنويري مقنع، ولم يواجه بأي وعاء فكري مختلف.
رغم ذلك، فإن وجود استراتيجية أردنية لمكافحة التطرف، يبقى أمراً إيجابياً ابتداء، بما يعبد الطريق للإعلام للمطالبة بالإفصاح عنها لتكون بين أيدي الناس، وشرحها بشكل يتسنى معه لكل فرد القيام بواجبه. كما يمكن أيضا، بحكم هذا الإفصاح، متابعة جهد الجهات المعنية في تنفيذ الأدوار المطلوبة منها، ما يصبّ أخيرا في محاصرة الفكر الظلامي وتحصين شبابنا من أذاه.
وهنا يبدو أهم وأخطر ما في التقرير الأميركي؛ إذ يؤكد ما نؤمن به، والمتمثل بحالة الإنكار التي يعيشها المسؤول الأردني حيال انتشار هذا الفكر. إذ رأى التقرير أن المسؤولين في الأردن “متحفظون حول الاعتراف بالتطرف المحلي، بما في ذلك التطرف الذاتي”.
مرة أخرى، فإن النقد الذي وجهه تقرير “الخارجية” الأميركية بشأن غياب تنفيذ الاستراتيجية الأردنية لمكافحة التطرف ليس جديدا. بل سبقه نقد كبير مماثل وأقوى من الإعلام المحلي، لكن من دون جدوى. وقد حاولنا في “الغد” تحديداً الحصول على نصها، على مدى العامين السابقين، إنما بلا أي استجابة. ولعله يتسنى ذلك لنا بمساعدة الأميركيين!