هناك حاجة أكيدة لتدشين حملات توعية بقانون الانتخاب الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة، وقد بدأت الهيئة المستقلة للانتخاب مبكرا حملة على مراحل لحشد المشاركة في الانتخابات، وستتضمن الحملة شرحا مبسطا للنظام الانتخابي، وآليات الاقتراع. ولاشك أن مؤسسات الدولة ستدعم هذه الحملات، وتسخّر وسائل إعلامها للتوعية بأهمية المشاركة.
صحيح أن أغلبية الناخبين ربما لا تعلم بعد ألية الانتخاب في القانون، لكن هذا ليس بالأمر المقلق؛ فما إن تنشط الحملات الانتخابية، ويقترب موعد الانتخاب، حتى يتطور وعي الناخبين، ويصبحوا أكثر إلماما بالإجراءات وطريقة الاقتراع.
والناخبون الأردنيون على وجه التحديد راكموا خبرات كبيرة في هذا المجال، وتكيفوا مع كل الأنظمة الانتخابية. فمن استوعب نظام الدوائر الوهمية على ما فيه من تعقيدات لن يعجز عن التعامل مع نظام انتخابي بسيط كنظام القوائم المفتوحة.
التحدي الأهم والأخطر الذي يواجه العملية الانتخابية، اتجاهات التصويت؛ فهى التي ستقرر حجم المردود المأمول من قانون الانتخاب الجديد.
سيكون لدينا في الانتخابات المقبلة صنفان من القوائم الانتخابية؛ قوائم تمثل أحزابا وتيارات برامجية متنوعة، وقوائم تمثل شخصيات “أفرادا” يسعون للوصول إلى البرلمان.
الصنف الأول يأمل بوصول أكبر عدد ممكن من اتباعه وأنصاره إلى قبة البرلمان، ليتسنى له التأثير في مجريات الحياة السياسية في البلاد. ولهذا سيطلب من قواعده الانتخابية التصويت لجميع أعضاء القائمة، دون تحيز أو تمييز.
الصنف الثاني، مختلف كليا؛ زعيم القائمة فرد اضطر لتشكيل قائمة التزاما بالقانون. وهو بهذا المعنى غير معني بنجاح شركائه في القائمة، وسيسعى لحشد مؤيديه للتصويت له حصرا دون سواه. القائمة بهذا المعنى شكلية”وهمية”، والاقتراع سيكون بنظام الصوت الواحد الذي تجاوزه القانون.
مصلحة الدولة تكمن في انحياز أغلبية الناخبين إلى الصنف الأول من القوائم، لأن وصول أكبر عدد من ممثليها إلى البرلمان، سيمهد الطريق لقيام كتل برلمانية متجانسة تحت القبة، ومأسسة عمل المجلس النيابي، وفتح الطريق أمام تشكيل حكومة برلمانية حقيقية تستند إلى كتل وبرامج، وليس لأفراد يزاحمون على المناصب لمصالح شخصية.
واجب مؤسسات الدولة، إن كانت جادة في تطوير تجربة الحكومات البرلمانية، والارتقاء بمستوى النيابة في المملكة، العمل بكل الطرق المتاحة لدعم هذا الصنف من القوائم.
عليها أولا أن تصمم حملات توعية للناخبين في كيفية التمييز بين القوائم المشكلة على أساس برامجي وتلك المشكلة لخدمة أشخاص، وحثهم على التصويت للصنف الأول، دون تردد أو مجاملة.
سيساهم هذا التوجه في تسييس الحملات الانتخابية، ورفع سوية الوعي الانتخابي، وحشد التأييد للتيارات البرامجية، والتخلص تدريجيا من الظواهر الشخصية في الانتخابات، وتقليل تأثير المال السياسي على الناخبين.
من السهولة بمكان توعية الناخبين بأهمية المشاركة، وتعليمهم طريقة الاقتراع. الأهم هو كيف نجرّ الأغلبية لاختيار القوائم البرامجية؟ هنا يكمن التحدي، وهنا تكمن مصلحة الدولة.