دولة رئيس الوزراء د. هاني الملقي، صديق شخصي وزميل عملت معه على عدة ملفات في الجامعة العربية. وهو شخص نظيف اليد، مخلص ومجدّ في عمله. لكن مقالي اليوم يتعلق بالنهج والسياسات، وليس بالأشخاص. وقد تجنبت دائما الحديث عن الأشخاص، لأن ذلك يلهي عن التركيز على الأفكار والسياسات.
إذ بدلا من بناء المؤسسات التي ترسخ الديمقراطية بالتدرج وتحميها في بلادي، تم اختزال الحكومات المتعاقبة بأشخاص رؤسائها. وبات التركيز على شخص الرئيس يطغى على الاهتمام ببرنامج الحكومة. وأصبحت الأخبار المتعلقة بمن زار الرئيس، وبمن اتصل، وأين شكل الحكومة، وما إلى ذلك، تأخذ حيزا أكثر من حيّز السياسات التي ينوي، مع فريقه الوزاري، تنفيذها. وغدت الشعارات التي نتغنى بها؛ كالأعراس الديمقراطية والاستحقاقات الدستورية والإصلاحات السياسية، مجوفة من مضامينها، حتى باتت الحكومات لا تشعر بالتزام حقيقي لتقديم برامج تفصيلية حول سياساتها المقترحة، في ظل غياب محاسبة جادة عن مدى تنفيذ هذه البرامج.
بعد خمسة وتسعين عاما من قيام الدولة الأردنية، ما تزال طريقة تشكيل الحكومات هي نفسها تقريبا. وما تزال معايير اختيار الطاقم الوزاري تتعلق بالأبعاد الجغرافية والمناطقية والعشائرية والدينية، أكثر من تعلقها بالأبعاد الفكرية والبرامجية. بعد خمسة أعوام من ثورات عربية أظهرت أن العقود الاجتماعية القديمة في المنطقة بحاجة لتجديد، ما تزال طريقة تشكيل الحكومات في الأردن لم تستوعب الدرس.
أعرف أن ثقافة الحكومات البرامجية لن تتحقق بالكامل إلا بالحكومات البرلمانية الحزبية، لأن الحكومات البرلمانية القائمة على أفراد وليس أحزاب، ستبقي الوضع على ما هو عليه. وأدرك أن تطوير أحزاب لها قواعد شعبية راسخة، هو هدف بعيد المنال، وأن العديد من أركان الدولة نفسها لا تريد حياة حزبية حقيقية، وتعمل على إعاقة تطور مثل هذا النظام.
وأدرك أيضا أن دولة الرئيس الجديد لا يستطيع معالجة كل هذه المشاكل التراكمية، كما أن هذه الحكومة انتقالية. لكن مع ذلك كله، أدعو الرئيس الجديد، وهو المنفتح على العالم، خاصة إن بقي بعد الانتخابات، إلى البدء بتطوير برنامج عمل يتخطى العناوين العريضة، ويضعنا على طريق ثابتة لبناء نظام الفصل والتوازن المنشود.
الاقتصاد الأردني بحاجة ماسة لعقلية مختلفة، وخطة تخرجنا من عنق الزجاجة؛ تخفض من عجز الموازنة، وتلجم الارتفاع الخطير في حجم الدين، وفي الوقت نفسه تعتمد سياسة جديدة تحفز القطاع الخاص وتشجع الاستثمارات الخارجية التي من شأنها خلق فرص عمل حقيقية. لقد أدى انخفاض أسعار النفط لاعتماد المملكة العربية السعودية مقاربة جديدة؛ تبتعد عن منح المساعدات، وتتبنى سياسة استثمارية لا بد أن تقابل من طرفنا ليس فقط بتشريعات جديدة، وإنما أيضا برفع كفاءة القطاع العام، حتى نستطيع استقطاب هذه الاستثمارات التي ستعتمد الكفاءة في المستقبل، أكثر من اعتمادها على العلاقات السياسية.
لقد حان الوقت للحكومة أن تعترف بقصور النظام التربوي وفلسفة التربية بشكل عام. ربما نحتاج جيلين للوصول إلى نشء يؤمن بالتعددية ويحترم الآراء والأديان كافة، ويحتفي بجميع مكونات المجتمع. لكن الخطوة الاولى تبدأ بإدراك حجم المشكلة، وبوجود الإرادة السياسية لإصلاح قطاع التعليم.
أما قطاع الشباب الذي يرأسه صديق عزيز، فآمل أن تتعدى الحكومة فيه الاهتمام بالنوادي الرياضية، وتعمل من أجل الاستماع الحقيقي لهموم وآراء الشباب، وقد وصلت الثقة بينهم وبين الدولة إلى أدنى المستويات.
العالم تغير بشكل كبير، والإصرار على إدارة الدولة بالأساليب التقليدية ينطوي على مخاطر جسيمة. كما أن فجوة الثقة بين المواطن والحكومة، أي حكومة، بحاجة ماسّة للتجسير. لا أعرف بعد إن كانت هذه الحكومة مستعدة لمواجهة هذه التحديات، لكن الأمل يبقى بنهج يعالج التحديات المزمنة والطارئة على مجتمعنا.