ماذا كان على العالم أن يتوقع من سياسات باراك أوباما التي راقبت بأبرد دم يمكن تخيله قتل الشعب السوري خمسة أعوام، وأسهمت مواقفها في انهيار نظم قيمية وأخلاقية، لعبت دوراً تاريخياً عظيماً في عقلنة حياة الدول والبشر: دينياً ووضعياً؟.
وماذا كان يمكن أن يترتب على سياسات بوتين الشيشانية في سورية، غير ما نراه من انهيار النظام الدولي، محلياً وعالمياً، ومن صعود إرهابي حفّزته البوتنية، بما أحدثته من فوضى وعنف فيه، بعد أن قيدت بالفيتو أيدي الأمم المتحدة وعطلت مجلس الأمن، وجعلت منهما مكاناً لفرض سياساتٍ إجرامية النتائج، جسّدها ذبح الشعب السوري بيد الأسدية، المستعينة بالروس والإيرانيين ومرتزقتهما، وإبادته وتهجيره وتعذيبه وتجويعه ومحاصرته، وتدمير ثورته السلمية، وإغراقها في أشنع جحيم إرهابي.
وماذا كان يمكن أن تنتج سياسات ملالي طهران الذين أرسلوا جيشهم ومرتزقتهم إلى سورية، لحماية نظامٍ يفتك بشعبها، ويقتلع روح الحرية من صدور بناته وأبنائه، أعانته ممارساتهم الهمجية على دوس سائر القيم السماوية والوضعية، المكرّسة لحماية الإنسان وصون كرامته، وعلى تحقير الإسلام ديناً سماوياً، يشنون باسمه الحرب ضد أتباعه، ويرتكبون مجازر لا مثيل لها في تاريخ العالم، قديمه وحديثه.
يخيفنا أوباما باسم حزبه الديمقراطي من رئاسة دونالد ترامب، ويذكّرنا بتصريحاته العنصرية ضد الأجانب والمسلمين. كم يخاف أوباما علينا، وكم هو بريء من سياساته وسياسات بوتين والملالي ضدنا التي تتماهى تماماً مع عنصرية أبله اسمه ترامب، لا يخفي عنصريته كأوباما وبوتين وخامنئي، بل يتباهى بها، ويرجح أن يصير رئيس أميركا بفضلها. تُرى، أليس من العنصرية أن يتفرّج أوباما بدم بارد على شعبٍ مسالم يُباد، وألا يبذل أي جهدٍ لوقف إغراقه في دمائه؟ أم أن العنصرية تقتصر على تصريحات ترامب الأبله، ولا تشمل مواقف أوباما وأفعاله؟ وماذا يسمي أوباما وبوتين والملالي قتلهم شعباً لم يلحق أي ضرر بهم، ولم يثر ضدهم؟
لن يكون دونالد ترامب ظاهرة غريبة عن تاريخي أميركا وروسيا، اللتين فتكتا بشعوبٍ عديدة إبّان عصرهما الاستعماري والإمبريالي، وتفتكان اليوم بالعالم كله، باسم العصر الليبرالي الجديد، العنصري والتدميري، الذي لا يحترم قانوناً أو يلتزم بشرعيةٍ وحقوق؟.
لن يهبط ترامب على كرسي الرئاسة من السماء، إنه نتاج واقع وتاريخ أميركي صنعته سياساتٌ عنصريةٌ يتبناها من دون خجل، بينما يعتمدها أوباما في كل ما يقوم به من أفعال، كما في كثيرٍ من أقواله، ويتوهم أنه يستطيع التستر على عنصريته الخاصة بإدانة عنصرية ترامب، ومن لا يصدّق أنه عنصري مثله ويزيد، فليقرأ آخر أحاديثه عن العرب، وليتأمل حرصه على فاشيي طهران، على الرغم من (أو بسبب) ما يفعلونه بالمسلمين ودينهم، ويدعمونه من فتنٍ مذهبيةٍ وتطرف إرهابي. أخيراً، هل كان أوباما جاهلا بما فعله بوتين ضد الشيشان الذين لم يكتف بإبادة معظمهم، وإنما جند بعضهم في مخابراته، وأرسلهم إلى سورية، ليؤسسوا إماراتٍ إسلامية ساعدت الأسد على تدمير الثورة، وتحريض العالم عليها، وحاولت إقناعه بأن السوريين لا يستحقون الرحمة.
لن يهبط ترامب من السماء على كرسي رئاسةٍ، سبقه إليها عنصريون مجرمون، مثل هاري ترومان الذي ضرب اليابان المستسلمة عسكرياً بقنبلتين ذريتين، ليردع السوفييت عن اجتياح أوروبا، وكباراك أوباما الذي يتباكى دوماً على السوريين، ويحول، في الوقت نفسه، دون وقف المذابح ضدهم، بحجة الحفاظ على حياة الأميركيين الذين أرسل هو نفسه مئاتٍ منهم إلى بلادنا، لدعم قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (البايادا) وإجهاض الثورة السورية، وتقويض دولتها ومجتمعها.
يُتوقع فوز ترامب بالرئاسة، لاتفاق برنامجه مع خطط أميركا التي يتعهد بمواصلتها. ومن المنتظر أيضا تحول هيلاري كلينتون إلى “رئيسة ترامبية”، في حال فازت. ألم يمر أوباما بتحولٍ كهذا في أثناء رئاسته، وينتقل من داعية مصالحة تاريخية بين الغرب والإسلام إلى عنصري يستمتع بقتل الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واليمنيين، ويحمي قتلتهم؟
من الحكمة تخلينا عن الأمل بحدوث تبدل في سياسات أميركا تجاهنا، بعد أوباما. ومن الضروري أن نستعد لأنماط جديدة من سياساتها العنصرية ضدنا، ومن الإطباق علينا، بعد أن أمسكت طوال أعوام الثورة بخناقنا، وصار انتصارنا رهناً بفك قبضتها عن أعناقنا، باستعادة قرارنا الوطني المستقل، وليذهب رئيس واشنطن المقبل إلى… حيث ألقت.