المفترض دستوريا أن حكومة الدكتور هاني الملقي انتقالية، لحين إجراء الانتخابات، ومن ثم لكل حادث حديث. وفي العادة تكون الحكومات الانتقالية رشيقة، وتضم عددا قليلا من الوزراء. إلا أن تشكيلة حكومة الملقي جاءت عكس ذلك؛ موسعة أكثر من اللازم، وكأننا أمام حكومة ائتلافية، اضطر رئيسها لتوسيعها إرضاء لتكتلات حزبية وبرلمانية، مع أن البرلمان رحل منذ أيام!
الظاهر من تشكيلة الحكومة أن الملقي سعى إلى إرضاء مختلف المكونات الاجتماعية والمحافظات، وجامل لفيف الأصدقاء والمعارف أكثر من اللازم، فصار حمله الوزاري ثقيلا، يحتاج معه لفريق من المستشارين لضبط أداء مجلس الوزراء ومتابعة عمل الوزارات.
الفرصة كانت سانحة أمام الملقي لترجمة أقواله في الرد على كتاب التكليف إلى أفعال؛ بتشكيل حكومة رشيقة وغير مكلفة، لإدارة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مهمات تسيير أعمال الدولة، وإنجاز المهمات العاجلة في المجالات الاقتصادية تحديدا.
وفي التشكيلة؛ أسلوبا وتركيبة، عودة إلى زمن مضى في الاختيارات، حتى غدت الحكومة لوحة فسيفسائية، لا لون ولا نكهة واضحة لها. سيرد البعض بالقول: وهل كانت الحكومات السابقة أحسن حالا؟ بالتأكيد لا، لكن العالم يسير إلى الأمام ولا يعود للخلف.
ثلاثة نواب للرئيس في حكومة انتقالية، ووزارات بادت ثم عادت، ولا نعرف إن كان الوقت سيسعف القائمين عليها لإعادة إحيائها من جديد.
وكل ذلك لا يوازي مفاجأة “الداخلية” المدوية. كنا حتى وقت قريب نعتقد أن خطوات الإصلاح السياسي التي قطعناها، والتغيير في آليات تشكيل الحكومات، أنهت وإلى الأبد تلك المفارقات الساخرة عن وزراء دخلوا وخرجوا من الحكومات من دون أن نعرف أو يعرفوا هم السبب في الحالتين. لكن في حالتنا هذه، بلغ الأمر درجة لم يسبق أن شهدنا مثلها.
على كل حال، يبقى ذلك من ضمن الأعراض الطبيعية للمراحل الانتقالية؛ حيث يسود الارتباك والارتجال، في انتظار العودة لمسار مستقر بعد الانتخابات النيابية.
وعلى الرغم من المساوئ الكثيرة للحكومات الموسعة، إلا أنها لا تخلو من بعض الفوائد؛ فقد أتاحت للملقي كسب وزراء أكفاء من حكومة د. عبدالله النسور، وضم آخرين من أصحاب الخبرة، ووجوه جديدة ينتظر منها الكثير، في أربعة أشهر!
رد الحكومة على كتاب التكليف، تقليدي إلى حد كبير؛ فقد وضع كلمة نلتزم أو نتعهد قبل كل فقرة وردت في كتاب التكليف السامي، بدلا من إشهار برنامجه التنفيذي لما ورد في كتاب التكليف.
وفي ظني أن الحكومة قد حملت نفسها من الواجبات والتعهدات أكثر مما تحتمل مرحلة انتقالية قصيرة. وكان الأجدر في مثل هذه الحالة وضع برنامج تنفيذي محدد بالمهام الواضحة، والقابلة للتحقيق في أربعة أشهر ليس أكثر.
من حق الرئيس وفريقه الوزاري أن يطمحا إلى البقاء لمرحلة ما بعد الانتخابات. لكن إن تحول هذا إلى هاجس لهم، فإنهم سيفقدون القدرة على التركيز في هذه المرحلة الحساسة، ويصبح الأداء محكوما بالرغبات والتمنيات، وليس بما قطعوا على أنفسهم من تعهدات ثقيلة.