على ماذا تعتمد فرنسا في إختيارها هذا الوقت الصعب والمعقد لتحريك قضية الشرق الأوسط، التي طالما بدت مستعصية ومستحيلة، في ظل الممالأة الأميركية المتمادية للحكومات الاسرائيلية، والغياب الروسي الطويل عن المسرح قبل الدخول أخيراً الى الوحول الدموية السورية؟
لم يكن مفاجئاً ان يصطدم مانويل فالس بغطرسة بنيامين نتنياهو، الذي لم يرفض فكرة باريس عقد مؤتمر دولي لتحريك التسوية، بل تعمّد ان يمسخها ويسخر منها بالدعوة الى الإستعاضة عن المؤتمر بإجتماع مع الرئيس محمود عباس في باريس، لكأننا في صدد لقاء شخصي لا في صدد حل أزمة المنطقة وإنهاء آخر احتلال في العالم عبر تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس.
كان من المستغرب ان تعلن باريس انها قررت تأجيل المؤتمر الذي سيعقد على مرحلتين، الى الخريف لأن جون كيري لن يتمكن من حضوره، لكأن واشنطن ستسمح لباريس ان تنجح حيث فشل باراك أوباما على امتداد ثمانية أعوام، على رغم انه بدأ عهده بزيارة حملته الى مصر ثم الى أنقرة، حيث كرر الإعلان عن ان شعار التغيير الذي رفعه بعد ولاية جورج بوش الإبن، سيترجمه من خلال إقامة الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل!
لا داعي للتذكير بالحملة الشرسة التي شنها عليه نتنياهو داخل الكونغرس، ولا بالفشل المدوي للديبلوماسية الأميركية سواء مع هيلاري كلينتون أو مع كيري في زحزحة إسرائيل ولو خطوة واحدة عن سياسة التهويد وتدمير عملية السلام.
لا داعي أيضاً للتذكير بشهر العسل الذي تمر به العلاقات الروسية – الإسرائيلية في هذه المرحلة، التي بدأت تحديداً مع دخول موسكو الميدان السوري دعماً لبشار الأسد، ثم لا داعي للتذكير بإستمرار الإنقسام بين السلطة الفلسطينية و”حماس” التي تسيطر على قطاع غزة، والأهم من كل هذا أنه لا داعي للتذكير بما هو عليه الوضع في الدول العربية، الغارقة في معظمها تقريباً في سيل من المشاكل والاضطرابات، التي تجعل المرحلة الراهنة عصراً ذهبياً لإسرائيل، التي تراهن منذ زمن بعيد على تفتيت المنطقة، فكيف لها الآن أن توافق على حل تريد فرنسا أن تبنيه على أساس “المبادرة العربية للسلام” التي سبق لقمة بيروت أن أقرّتها عام ٢٠٠٢ وتبنّتها كل القمم العربية مذذاك؟
طبعاً تفرض الأمانة توجيه التحية الى اهتمام فرنسا وملاحظتها الموضوعية ان أزمة المنطقة التي تتمحور على الصراع العربي – الإسرائيلي، ستسمم دائماً الأجواء وتبقى منطلقاً يهدد الإستقرار على المستويين الاقليمي والدولي، ولكن لا الوقت الراهن في تعقيداته، ولا الموقف الدولي في غيابه يسمحان بذلك، وعلى الأقل ليس مبالغة ان أقول إن واشنطن تعارض حلاً يأتي من فرنسا أكثر مما تعارضه اسرائيل!
واشنطن تعرقل فرنسا فلسطينياً؟/راجح الخوري
14
المقالة السابقة