خرج احتفال هذا العام بعيد استقلال المملكة عن المألوف في السنوات الماضية. برنامج الاحتفال اقتصر على عرض بلغة مسرحية حمل اسم “قصة الأردن”، صاحبته مقطوعات موسيقية رصدت مسيرة تأسيس الدولة الأردنية منذ عهد الثورة حتى النهضة. تلا ذلك تسليم جلالة الملك أوسمة ملكية لنخبة من الشخصيات العامة والمؤسسات التي كان لها أثر إيجابي في المجتمع.
غير أن لقطة واحدة في الاحتفال، لخصت ذلك الزمن الممتد لسبعة عقود من التضحيات من أجل الأردن؛ لحظة احتضان الملك لوالد الشهيد البطل الرائد راشد حسين الزيود، الذي كرم الملك ذكراه العطرة وبطولته في مواجهة عصابة الإرهابيين في إربد، بوسام التضحية والفداء من الدرجة الخاصة المرصعة.
غالبت الدموع عيون الملك، ومعه الملايين من المتابعين، حسرة على خسارة ضابط مقدام مثل الشهيد الزيود، وغلاً وحقداً على القتلة والإرهابيين، وقسما ردده الأردنيون في القلوب، ألا يسمحوا لهذه الفئة الشاذة بمكان على أرضنا.
في الصف الأول، جلس رؤساء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، إلى جوار الملك وأفراد العائلة المالكة. لكن بخلاف الاحتفالات السابقة، لم يشهد احتفال “السبعين” خطابات لهم. وغابوا أيضا عن مراسم استقبال جلالته عند وصوله إلى قصر رغدان.
وفي الفقرة الأخيرة من الاحتفال، وقف رؤساء السلطات في طابور الحضور للسلام على الملك والملكة وولي العهد وتقديم التهنئة بعيد الاستقلال، وغادروا مع جمهور المغادرين. لم يحظ أي منهم بالمعاملة البروتوكولية كما في السابق؛ حين كان رؤساء السلطات يقفون على يمين الملك في قاعة السلام، وإلى جانبهم كبار المسؤولين في الدولة.
ومن تابع مراسيم الاحتفال عبر شاشة التلفزيون الأردني، سيكون قد لاحظ أن “الرؤساء” لم ينالوا لقطة واحدة على الشاشة، إلا في المرات القليلة التي جالت فيها الكاميرا بسرعة على الحضور من دون تخصيص.
كان السؤال بعد الاحتفال؛ هل لهذا التغير في برنامج الحفل علاقة بما يتردد عن قرب حل البرلمان واستقالة الحكومة حكما، أم أننا إزاء مقاربة جديدة تعكس التحولات التي حصلت في أسلوب إدارة الحكم في الأردن؟
يصعب على المراقب الجزم بإجابة قاطعة؛ فكلا الأمرين وارد. الدولة تخطو بثبات نحو إجراء الانتخابات هذا العام، وحل البرلمان ورحيل الحكومة يبدوان متوقعين في أي لحظة. وقد يكون من الصعب في هذه الحالة منح رؤساء السلطات منبرا للخطابة، فيما قرارات رحيلهم قيد التوقيع.
ولا يغيب عن البال أيضا حالة البرلمان والحكومة على المستوى الشعبي في هذه الأوقات بالتحديد، التي بات فيها الرحيل مطلبا يتردد على كل لسان.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد الاحتمال الثاني؛ الملكية في الأردن في لحظة تألق؛ تحتفل ومعها الشعب كله بالذكرى السبعين لولادة الدولة؛ المملكة، وبمئوية الثورة العربية الكبرى التي فجرها جد الهاشميين الشريف الحسين بن علي. وتحتفل بعد سنوات خمس عجاف، نالت من دول كبرى في المنطقة، فيما الأردن؛ المملكة، ينعم بالاستقرار رغم التحديات الصعبة التي يواجهها.
كان المطلوب في هذه المناسبة تكريس تلك المعاني، بالحضور المتفرد للملك ولنهج الملكية، وهذا ما كان.
ربما تكون رسالة لمرة واحدة، لا ندري؛ المهم أن لا يغيب عن البال الجوهر الأصيل لنظام الحكم في الأردن؛ نيابي ملكي وراثي، فالانتخابات النيابية على الأبواب.