الهاشميون..عنوان الإستقلال/حسين هزاع المجالي

الإستقلال رواية طويلة يصعب اختزال فصولها بسطور بسيطة ولكنها حكاية تروي لنا المحطات والنقلة النوعية لبناء الدولة الأردنية بمختلف مرافقها ومؤسساتها المدنية والعسكرية والتي اضحت نموذج يحتذى في دول المنطقة.
فالدلالة الأسمى لهذا الإستقلال تتجلى في النظام السياسي الإنساني الذي أثبت على الدوام تسامحهِ وانحيازهِ لخندق الوطن والمواطنين فهو لم يسجل عليه لغاية الآن أن لطخ يداهُ بدماءِ الأبرياء بل على العكس تميز بالصفح والتعامل الحضاري لكلِ من حاول الإساءة لرموز الوطن أو القفز على الدستور, العقد الذي بقي على الدوام صيغة التعامل بين الحاكم والمحكوم .
فالخامس والعشرون من أيار من كل عام، لا يمر على الأردنيين مرور الكرام، وهذا اليوم الوطني وغيره من الأيام والأعياد الوطنية يجب أن نتوقف عندها لا لإستذكار التاريخ فقط ، بل لاستلهامه بما يشكل لنا فرصة للوقوف مع الذات وتقييم ما أنُجزَ والتخطيط لما سيُنجز مستقبلا.
في الخامس والعشرين من أيار عام 1946، يوم استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، بدأت مسيرة النهضة والبناء، التي وضع بنيانها المغفور له الملك عبدالله الأول لتشق المملكة طريقها لتكون اليوم رقما صعبا في المشهدين العربي والدولي ، ولعَل الحزام الناري الذي يلتف حول خاصرة المملكة شاهد عيان على ذلك .
وتستمرُهذه المسيرة الوطنية العطرة حيث انتقلت الراية من الملك المؤسس الى الملك طلال واضع دستور 1952حتى أن الأردنيين لقبوه بصانع الدستور الذي رسخ الدولة من خلال سلطاتها الثلاث وعزز العمل الحزبي ووسع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وهو من أحدث الدساتير في العالم وفي طليعة الدساتير الراقية في المنظومة العربية .
وإن كان الأردن اليوم يوصف على أنه واحة الأمن والإستقرار، فإن هذا مرده الى حالة الأستقرار السياسي وتماسك الجبهة الداخلية وتكامل المنظومة بين القوات المسلحة والأجهزة الأمنية،رغم ما مرت به المملكة من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية عبر العقود الماضية.
في هذا العيد الوطني، لا بد لنا أن نستذكر الراحل العظيم المغفور له الملك الحسين بن طلال، الذي حمى الاستقلال ورسخ دولة المؤسسات والقانون، وقاد الأردن لتكون موجودة في كل المحافل الدولية، ما جعلها تنال احترام العالم أجمع.
والإصلاح في الأردن، عملية مستمرة منذ نشأة الدولة التي تُراجع ذاتها في كل مرحلة وتصوبُ ما يحتاج للتصويب ليتوافق مع مستجدات المرحلة ويواكب روح العصر. ولعل المؤرخ يحدد العام 1989 منطلقا حقيقيا لأهم مراحل الإصلاح السياسي والإقتصادي في المملكة، عندما سارت الدولة الأردنية مجددا نحو الحياة الديمقراطية عبر السماح بترخيص الأحزاب وحرية الترشح للانتخابات البرلمانية.

يتفق كل السياسيين والمراقبين على أهمية وتاريخية تلك الخطوات، لكن المتعمق في قراءة المشهد الأردني يدرك أن تجذير وترسيخ النهج الديمقراطي واستمراره هو المعيار الأساس لجدوى ما حدث عام 1989. فنجاح عملية التحول الديمقراطي هو بالتأكيد في استمراريتها والبناء المتراكم على الإنجاز الذي يجب أن لا يتوقف عند مرحلة زمنية محددة.
منذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين مقاليد الحكم، انطلقت مرحلة جديدة من البناء والإصلاح في مختلف مناحي الحياة العامة وشهدنا تطورا ملموسا في الحياة السياسية والإقتصادية وانعكاسات ذلك على حياة المواطنين وظروفهم المعيشية ومستوى الخدمات العامة، وهذا ما يجعلنا نقف احتراما لكل ما أُنُجز، ويجعلنا موقنينَ أننا في مسيرة ستقودنا الى ما هو أكثر.
خلال الفترة الماضية شهدنا قوانين إصلاحية عدة منها قوانين الإنتخاب واللامركزية والأحزاب والمحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للإنتخاب وغيرها، وهذا دليل على استمرارية ومراكمة الإنجاز في مسيرتنا الإصلاحية التي يقودها جلالة الملك منذ توليه سلطاته الدستورية وكانت جلية وواضحة في رؤى وخطابات جلالته وخصوصا في الأوراق النقاشية التي طرحها جلالته وأوضح فيها رؤاه وطموحاته في الوصول الى مرحلة الحكومات البرلمانية والحياة الحزبية الناضجة والفاعلة والمشاركة الواسعة في عملية صنع القرار وتطبيق اللامركزية وتوزيع مكاسب التنمية على ارجاء الوطن كافة.

واللافت في كل ذلك أن الدولة الأردنية أنجزت تلك الخطوات الإصلاحية وهي تمر في أصعب مراحلها، على المستويين الأمني والاقتصادي، الأمر الذي يبرهن على رسوخ مؤسسات الدولة وقوتها الى جانب اصرارها وايمانها العميق بضرورة الاصلاح.
ما أريد قوله اليوم، إن أعيادنا الوطنية التي يتقدمها عيد الاستقلال هي ذكرى خالدة في وجدان الأردنيين جميعهم، وهي فرصة حقيقية لتقييم المنجزات والبناء عليها، وهي فرصة عظيمة للإصرار على المطالبة بدوام التحديث والإصلاح في كل مناحي الحياة. على ان هذه المطالبة يجب ان لا تنسينا الجانب المشرق في الانجازات التي تحققت، بفضل الحالة التكاملية بين الشعب ونظامه السياسي، فمن ينظر اليوم إلى المؤسسات الأردنية المختلفة التي يتقدمها الجيش العربي يرى مستوى التقدم والحرفية في العمل والتطور الحاصل في الأداء.

كما إن الناظر إلى الإنسان الأردني، وما يقوله الآخرون عنه وعن حرفيته ومهنيته ومستوى تعليمه، فإن ذلك يشكل قصة نجاح تضاف الى منجزات الاستقلال

حمى الله الأردن وشعبه وقيادته الهاشمية الحكيمة بقيادة عميد ال البيت الملك عبدالله الثاني بن الحسين.

شاهد أيضاً

ما أحوجنا في هذا الوقت لأن نحتفل بكلّ عمّال هذا الوطن* معالي العين خولة العرموطي

عروبة الإخباري – ما أحوجنا في هذا الوقت لأن نحتفل بكلّ عمّال هذا الوطن.. نذكّرهم …

اترك تعليقاً