عروبة الإخباري – أكد د. محمد أبو حمور الأمين العام لمنتدى الفكر العربي أن تشخيص الواقع العربي الراهن، وتحليل معطياته والربط بينها؛ استشرافاً لرؤية فكرية وعملية قادرة على الإسهام في صنع المستقبل، هي مسؤولية النخب العربية المثقفة، ولا سيما في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي يمر بها الوطن العربي، حيث تتعاظم التحديات والتراجعات، واستشعار الخطر على كيان الأمّة ومصيرها.
وقال د. أبو حمور في كلمته الافتتاحية للندوة الحوارية التي عقدها المنتدى يوم الثلاثاء 17/5/2016 في مقرّه بعنوان “استشراف أوضاع الوطن العربي 2025”: إن الواقع التاريخي يؤكد قدرة هذه الأمّة على تجاوز المحن والنهوض من جديد لتواصل إسهامها في الحضارة والفضاء الإنساني، بما تمتلك من عناصر الوحدة والقواسم المشتركة والتراث الغني من الرسالات السماوية، فضلاً عن المقوّمات الثقافية والتنوّع وقيم التعايش والسلم من أجل الحياة الكريمة للإنسان، بصرف النظر عن عرقه أو لونه أو مذهبه.
وأضاف أن هواجس الواقع تفرض طرح أسئلة حول شكل المستقبل الآتي، ومحاولة إيجاد منافذ للأمل عبر الصورة الضبابية للمشهد العربي، لتجنب الوقوع في أسر الأجندات الخارجية، وزيادة الانقسامات والتشرذم في الصفوف، وانتظار سايكس بيكو جديد يؤدي إلى تمزيق الأمّة والجغرافيا والبحث عن المصالح الصغيرة على حساب المصلحة الكبرى للأمّة، مشيراً إلى أنه لا بد من البحث عن بصيص ضوء لاستعادة المبادرة، ومحذراً من اليأس وجلد الذات ووأد آمال الأجيال القادمة.
ودعا د. أبو حمور إلى وعي المستقبل بمنهج علمي هادىء ومستبصر، والعمل بالتفكير والتدبّر والجهد الموازي الذي لا تغيب فيه مؤشرات الحاضر وركائز الماضي. وقال إن المشكلات والأزمات العربية الحالية هي نتائج تراكمية، تتطلب التمعن في أسبابها، والتفاكر المستمر حول وسائل الخروج من حلقاتها الملتهبة. كما دعا إلى نظرة شمولية لمختلف القضايا والتحديات السياسية والاجتماعية الثقافية والاقتصادية والترابط فيما بينها، وإلى تخطيط مستقبلي يعتمد التدرّج المرحلي في عملية النهوض والتغيير الإيجابي والتقدم الإنساني، والأخذ بالاعتبار البُعد الإنساني لتلك القضايا والمؤثرات عليها عالمياً وإقليمياً وداخلياً.
وحذر د. أبو حمور من أن عملية التفكيك التي يتعرض لها الوطن العربي بشراسة، من خلال أشكال الاحتلال والإرهاب والتدخل الخارجي، موجهة في الصميم إلى تفكيك الإنسان العربي والقضاء على هويته، وبالتالي تفكيك الأمة من مكونات قوتها وقيمها. كما شدد على مسؤولية العرب أنفسهم بالسير نحو الإصلاح الحقيقي وأخذ زمام المبادرة لمعالجة أخطائهم بأنفسهم.
شارك في هذه الندوة مثقفون وأكاديميون وخبراء أردنيون وعرب، ناقشوا ستة محاور دارت حول تطورات الوضع الدولي، والإطار الإقليمي ودول الجوار، وحقوق الإنسان والأقليات في الوطن العربي، والتحول الديمقراطي، والفساد والحاكمية الرشيدة، والاقتصاد والتنمية المستدامة. وهدفت الندوة إلى قراءة شكل الوطن العربي وصورته بعد عقد من الزمن (2025) من خلال سيرورة التقدم الإنساني، وتقديم الواقع في إطار إدراك البُعد الإنساني عبر الانتقال إلى المستقبل نظرياً.
وفي الجلسة الأولى التي ترأسها المهندس سمير الحباشنة رئيس الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة، تحدث د. نبيل الشريف رئيس شركة إمداد للإعلام حول تطورات الوضع الدولي؛ ابتداءً من سؤال: هل ثمة نظاماً عالمياً جديداً يتشكل حالياً وأن القوى الدولية تحاول أن تكون شريكة فيه؟ ومحللاً اتجاهات الدول الكبرى في هذا الصدد؛ إذ يتصارع في أمريكا رأيين لكنهما يتفقان على منع بروز أي منافس دولي قوي لها، فيما تقف إدارة أوباما في منطقة وسط بينهما مع ميل الى تيار التراجع ، وهذا واضح في ما يطلق عليه الأن في واشنطن ” الإستدارة أو إعادة التوازن Rebalancingنحو منطقة أسيا- الباسفيك بدلاً من التركيز على أوروبا – الأطلسي. وفي المقابل تدعو استراتيجية الأمن القومي الروسية حتى عام 2020 إلى تحويل روسيا المنبعثة إلى دولة كبرى مجدداً وإلىأن تكون إحدى القوى الخمس الأكبر اقتصاداً في العالم، وبناء شراكة استراتيجية متساوية مع الولايات المتحدة على أساس المصالح والشراكة. كما أشار د. الشريف إلى التيارات في هذا الاتجاه في كل من الصين، والهند، واليابان، وأوروبا؛ مشيراً إلى ما تمر به الأخيرة من أزمة في اقتصاداتها وهويتها وحتى وحدتها، ولا سيما مع مؤشرات الانفجارات الاجتماعية المتوقعة في ضوء ضغوط العولمة والهجرة واللجوء.
وقال د. الشريف في تحليله إن القطبية الأحادية الأمريكية انتهت، لكن شكل النظام العالمي الجديد لم يتضح بعد أو لم يكتمل بعد.فهل نحن أمام “لا قطبية فوضوية” كبديل عن القطبية الآحادية؟ … وأضاف أن صراعات نشأت بين القوى المؤثرة في الواقع الدولي الجديدأهمها الصراع بين الاتحاد الأوروبي وروسياعلى أوكرانيا، والمنافسة بين الصين واليابان في شرق آسيا، والصراع الطائفي والحروب الأهلية في الشرق الأوسط. وأشار إلى أن نتيجة الحرب في سوريا سيكون لها أثر كبير في تحديد ملامح هذا النظام الجديد .
كما تحدث أ.د. عبد القادر الطائي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط في محور الإطار الإقليمي ودول الجوار، مقدماً رؤية استشرافية لما يمكن أن تكون عليه منطقة الشرق الأوسط عموماً والوطن العربي على وجه التحديد عام 2025 في ضوء المتغيرات والطبيعة المعقدة للأحداث في الوقت الراهن؛ موضحاً أن المشروع النهضوي العربي هو الخيار الأوفر حظا بالمقارنة مع البدائل الأخرى التي جاءت بها الاحزاب والتيارات الفكرية على اختلاف أنواعها، والذي يبدأ أولاً بإعادة بناء الدولة القطرية القائمة على أساس الفهم العميق والإيمان الكامل بمعنى المواطنة والانتماء والولاء للوطن، وانصراف الجهد الوطني الرسمي والشعبي لتحقيق السلم الاجتماعي بين كل المكونات السياسية والاجتماعية وتياراتها الفكرية، والعمل على حماية ما في الأمة من تنوع ثقافي ، واعتبار هذا التنوع عامل إخصابوإغناء للثقافة العربية ينبغي استثماره، لا عامل انقسام وتهديد ينبغي وأده بمزاعم زائفة ، كالحفاظ على لحمة المجتمع ووحدته الثقافية. وثانياَ، التجديد الحضاري، باتباع نموذج نهضوي تنصهر فيه قيم الحداثه والأصاله معاً، لإطلاق ديناميات التقدموالتجدد في البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وعلى النحو الذي يؤهلنا للحاق بغيرنا من الامم المعاصرة، ويحفظ لنا خصوصيتنا الثقافية والقيمية. وثالثاً، الاقترابمن الصيغ الوحدوية في العمل العربي المشترك.
وقالت د. هناء القلال الباحثة والأستاذة الجامعية من ليبيا، ضمن محور حقوق الإنسان والأقليات: إن هشاشة المؤسسات القضائية وغياب مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، وعدم القدرة على صياغة نموذج وطني للعدالة الانتقالية، أدى ويؤدي إلى ازدياد حالات الانتهاك للحقوق والنزاعات المسلحة الداخلية والعودة إلى الانتماء الأوّلي والعرقي والطائفي في عدد من الدول. وأوضحت أنه مع سيطرة تنظيم الدولة وانتشار الإرهاب على المستوى العالمي، فإن حقوق الأقليات ستتأثر بشكل كبير في المنطقة، وذلك سيترتب عليه ازدياد حالة الاضطرابات في المنطقة ما لم تكن الأولويات خلال الفترة القادمة تركز على تقوية منظومة حقوق الإنسان، وحماية الإقليات، وإيجاد التوازن بين الأمن القومي وحماية الحقوق الإنسانية.
وفي الجلسة الثانية التي ترأسها د. صباح ياسين مدير مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، تناول المهندس جواد الحمد مدير عام مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، محددات التحول الديمقراطي والاتجاهات المتوقعة للتحول، والأسئلة المتعلقة بالثقافة الديمقراطية. وتطرق إلى أنماط الاستبداد وأثرها على التحول بدرجات متفاوتة، وإمكانية صناعة نموذج هجين من الديمقراطية والبيروقراطية في بعض الأنظمة. وفي بحثه حول المؤشرات المؤثرة من تجربة الربيع العربي، ركز على أدوار الأطراف الفاعلة وإمكانات اتفاقها على التحولات الديمقراطية وأسسها، وفرص المصالحات التاريخية وتحدياتها نحو بناء توافق مجتمعي يختار المسار الديمقراطي حلاً جمعياً لتحقيق الاستقرار والتنمية عبر التحول الديمقراطي والاستقرار ونبذ العنف وبناء السلم الاجتماعي، إضافة إلى إمكانات نجاح عملية التحول الديمقراطي ومتطلباتها.
وتحدث في هذه الجلسة د. محي الدين توق، المدير العام للكادر العربي لتطوير وتحديث التعليم وعضو مجلس مفوضي الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد، حول الفساد والحاكمية الرشيدة، مشيراً إلى أن الدول العربية بدأت منذ عقد من الزمان الدخول في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، واتخذت خطوات إيجابية في وضع البنى التشريعية والتنظيمية والمؤسسية لمكافحة الفساد، إلا أن ما تحقق على أرض الواقع لا يرقى إلى مستوى طموحات الشعوب العربية، فلا يزال الإقليم العربي من أكثر الأقاليم انتشاراً للفساد، ومن أضعفها في مجال الحوكمة الديمقراطية، ونُظم النزاهة الوطنية فيها ضعيفة وغير كاملة وغير منسقة، ويشوب القصور موضوع اتاحة المعلومات الذي يشكل أساساً للشفافية والمساءلة. وأشار د. توق إلى أن ضعف الحاكمية من أهم عوامل انتشار الفساد، مؤكداً ضرورة تطوير الحاكمية الرشيدة القائمة على الكفاءة والفاعلية، والمشاركة السياسية، وحكم القانون، والشفافية، والنزاهة وضبط الفساد، والعدالة الاجتماعية والإدماج، والمساءلة، والاستجابة الفاعلة.
أما أ.د. باسل البستاني مستشار التنمية الاقتصادية الدولية، فقد أوضح في حديثه المتعلق بالاقتصاد والتنمية المستدامة أن تجاوز الحاضر إلى المستقبل اقتصادياً يتضمن الشرط الضروري لتهيئة مستلزمات اقتصاد قادر على تجاوز معاناة الواقع، بخاصة على صعيد الإنتاج وفرص العمل والأداء، إضافة إلى الأمن القومي بكل أبعاده، وبهدف الوصول إلى ضمان قاعدة رصينة للانطلاق. وحدد د. البستاني مرتكزات الرؤوية المستقبلية باعتماد نظام اقتصادي منتج ومتوازن، تحتضنه العدالة والديمقراطية التشاركية، تحقيقاً لتجاوز مستويات المعيشة من الكفاف إلى الكفاية وما بعدها، وتأكيد تطوير وحماية الثروة القومية بمنابعها الثلاث المادية والبشرية والبيئية، وجعل رأس المال البشري محور الانطلاق بإحكام العقل جوهر الحكم في القرار والمسار، واتخاذ العلم والتقنية المتقدمة والمتطورة هادياً لتوسيع قاعدة حركة المجتمع وتعظيم قدراته وثروته، وجعل الاستدامة المرجعية الحاكمة في التقرير والتسيير، تأكيداً لحيوية تحقيق متطلبات الجيل القائم، دون التفريط بحقوق وفرص الجيل القادم، وأن تكون هوية الخصوصية العربية وطنية الولاء وعروبية الانتماء.
منتدى الفكر العربي يعقد ندوة حوارية حول “استشراف أوضاع الوطن العربي 2025”
10
المقالة السابقة