مشكلتنا مع اللجوء السوري بدأت قبل مواجهة دول الاتحاد الأوروبي لهذا التحدي بثلاث سنوات على الأقل. لا بل إننا أصحاب خبرة تاريخية طويلة في إدارة اللجوء، واستقبال موجات متتالية عبر العقود الماضية. رغم ذلك، لم نتمكن من توظيف خبراتنا على نحو يمكننا من التعامل بكفاءة مع هذا التحدي، والتحوط لتداعياته.
قبل يومين، كشفت مجلة “دير شبيغل” الألمانية عن نية السلطات هناك تخصيص 93 مليار يورو للإنفاق على اللاجئين حتى نهاية العام 2020.
تقدير هذا المبلغ في الموازنة لم يكن جزافا؛ فقد توقعت السلطات وصول 600 ألف لاجئ هذا العام، و400 ألف العام المقبل، و300 ألف في العام الذي يليه. وذهبت في خططها أبعد من ذلك، عندما قدرت أن 55 % من اللاجئين المسجلين ستكون لديهم وظائف بعد خمس سنوات!
لسنا ألمانيا، ولن نكون؛ ولا نملك المليارات لننفقها على بلدنا قبل أن نفكر بإنفاقها على اللاجئين. ولأننا نعتمد على مساعدات المجتمع الدولي لتحمل أعباء اللجوء، فالأجدر أن نكون أكثر حرصا ودقة من ألمانيا في إدارة هذا الملف.
بعد خمس سنوات على أزمة اللجوء السوري، لا نعلم على وجه التحديد أعداد اللاجئين الذين دخلوا البلاد، أو الذين كانوا يقيمون قبل ذلك في الأردن. نجمع ونطرح، وفي كل مناسبة نخرج برقم مختلف. نقدر عددهم بمليون و400 ألف، فلا يعترف المجتمع الدولي بنصفهم!
لا نعلم كم سيأتينا من اللاجئين؛ هذا الشهر أو في هذه السنة.
كم من اللاجئين التحق بسوق العمل؟ لا نعلم؛ مجرد أرقام تقديرية، يشكك فيها بعض المسؤولين في الحوارات غير الرسمية. وقد يكلفنا هذا الإخفاق خسارة المساعدات التي أوصى بها مؤتمر لندن للمانحين. ليس لدينا تقديرات دقيقة لعدد الطلبة السوريين في المدارس الخاصة، وكم من الأطفال السوريين يعملون -بشكل غير قانوني طبعا- في سوق العمل.
صحيح أننا نعمل تحت الضغوط؛ فالصراع يدور على بعد أمتار من حدودنا، وحركة اللجوء لا تخضع لمعادلة مستقرة. لكن دول الاتحاد الأوروبي واجهت أوضاعا أسوأ. حدودها كادت تنهار أمام موجات اللاجئين، بينما ظل جيشنا وما يزال ممسكا بالحدود، ومسيطرا على كل المنافذ.
منذ بداية قصة اللجوء، كانت قوات حرس الحدود تحصي بدقة أعداد القادمين، وتقدم كشوفا دقيقة للجهات المعنية. لكن، كما هي الحال دائما، تذهب المعلومات إلى الأدراج، وتتوزع على عديد الوزارات والمؤسسات، فتضيع وسط زحمة الصلاحيات، فلا نعود نعرف من الداخل ومن الخارج.
وفي وقت مبكر أيضا، طور الأردن خطة استجابة، مدعومة من الدول المانحة. غير أننا لم نتمكن من دعمها بالأرقام الدقيقة، ولا بالتوقعات المنطقية.
لسنا متأكدين إن كان الإحصاء السكاني الأخير قد زودنا بصورة دقيقة لأعداد اللاجئين في الأردن من شتى الجنسيات؛ فثمة من يقول بأن عملية الإحصاء لم تتمكن من الوصول إلى معظم اللاجئين السوريين في الأردن، وما ورد من أرقام لا يعكس الوضع الحقيقي.
الإشكالية الأخطر، هي ضعف القدرة على توقع أعداد اللاجئين في المرحلة المقبلة، أو الإفصاح عن هذه التقديرات، تحسبا من ردة فعل الرأي العام الأردني.
في ملف اللاجئين عموما، أشعر أننا نسير في الظلام، ولا نعرف طريقنا.