عروبة الإخباري- تعيش تركيا مخاضاً صعباً في مسعى للتحول من النظام البرلماني القائم في البلاد منذ عشرات السنوات إلى نظام الحكم «الرئاسي»، نزولاً عند رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يسعى لإحكام قبضته على الحكم في البلاد، لا سيما عقب إعلان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو تنحيه عن الحكم من خلال تأكيد أنه لن يترشح لزعامة الحزب الحاكم في المؤتمر العام الاستثنائي المقرر نهاية الشهر الجاري.
وأكد نائب برلماني ومحللون سياسيون في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» أن الاستفتاء العام أو الانتخابات المبكرة سيحسمان إقرار دستور جديد للبلاد يتضمن النظام الرئاسي، متوقعين الانتهاء من هذه الإجراءات قبل نهاية العام الجاري.
وقبل أيام، أكد أردوغان على ضرورة طرح النظام الرئاسي للاستفتاء الشعبي بالسرعة القصوى، داعيا إلى عدم القلق من هذا النظام، ومشددا على أن تركيا مضطرة لأن تصبح قوية من أجل ضمان مستقبل الأجيال القادمة، وملايين الأشخاص الذين علقوا أمالهم على تركيا، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن النظام الرئاسي «سيكون الضامن للأمن والاستقرار في البلاد، بدلا عن النظام البرلماني الذي فتح الطريق أمام وقوع العديد من الأزمات في تركيا»، مضيفًا أن النظام الرئاسي والدستور الجديد ليست مطلبًا شخصيًا له «بل هي حاجة ماسة لتركيا في ظل التجارب الأخيرة التي شهدتها».
النائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية ياسين أقطاي أوضح أن المؤتمر المقبل للحزب سيحسم اسم رئيس الوزراء المقبل الذي ستكون من أبرز مهامه العمل على إقرار الدستور التركي الجديد بما يتضمن التحول إلى نظام رئاسي جديد.
ولفت في تصريح خاص لـ«القدس العربي» إلى أن النقاشات الداخلية في الحزب والبرلمان ستتواصل خلال الفترة المقبلة من أجل التوصل إلى صياغة نهائية للدستور المتوقع عرضه على الاستفتاء الشعبي العام.
وعن احتمال دعم أحزاب المعارضة التركية الدستور الجديد، قال أقطاي: «لدينا مقولة هامة في السياسة التركية وهي أن يوم واحد في السياسة هو طويل.. فكل يوم تحصل تطورات، ومن الوارد جداً أن تدعم أحزاب المعارضة أو نواب منها مقترح الدستور الجديد»، رافضاً إعطاء موعد محدد لإتمام إجراءات الدستور.
ورأي الكاتب والمحلل السياسي التركي، محمد زاهد جول أن «ما يحصل في تركيا الآن بالمختصر، هو مخاض ولادة نظام رئاسي وسياسي جديد»، مضيفاً: «عندما تولى أردوغان منصب رئيس الجمهورية باختيار مباشر من الشعب أصبح لدينا نظام نصف رئاسي وبات الآن نهاية فعلية لمنصب رئيس الوزراء تركيا».
ورأى أن النقاش سيتركز الفترة المقبلة حول صيغة وشكل النظام الرئاسي الذي يريده أردوغان، وقال: «الكثير من التفاصيل غير واضحة حتى الآن، يوجد نقاش داخلي في حزب العدالة والتنمية حول طبيعة النظام الرئاسي، ويتم تداول مقترح قريب من النظام الأمريكي المطبق».
وأضاف جول لـ«القدس العربي»: «أردوغان يُصر على نموذج نظام رئاسي تركي جديد، وهو غير موجود كون تركيا ليس لديها نظام رئاسي، اعتقد أنه سيتم التوصل لنموذج قريب من النظام الأمريكي وهو ما يرفض أردوغان توصيفه بهذا الشكل»، موضحاً أن هذا الأمر سيكون أهم أولويات رئيس الوزراء المقبل.
ولفت إلى إمكانية أن تدعم أحزاب من المعارضة الدستور الجديد، أو نواب منهم على الأقل، وقال: «إذا لم ينجح أردوغان في طرح الدستور على الاستفتاء سيلجأ إلى الانتخابات المبكرة، وهو خيار قاسي بالنسبة لجميع أحزاب المعارضة التي تعاني من انقسامات ومشاكل داخلية وتراجع شعبيتها بشكل كبير، مقابل ارتفاع نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي».
وفي تطور لافت، قال زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي بأن دعم حزبه للحكومة قد يمتد إلى الدعم القانوني «في سبيل حماية مصلحة تركيا التاريخية والقومية»، وذلك في إشارة إلى إمكانية دعم مساعي حزب العدالة والتنمية لكتابة دستور جديد للبلاد يتضمن تحويل نظام الحكم لـ«رئاسي»، وهو ما كان يرفضه الحزب سابقاً بشكل مطلق.
وأكد في خطاب له أنه «في ظل الظروف الحالية وخطر الإرهاب المستمر، فإن حكومة قوية في تركيا هي حاجة قومية.. وإلا فإن المخاطر والتهديدات العالية ستدوس على بلادنا. إننا لن نقبل بخسارة أرضنا»، مضيفاً: «ليس من العقلية أو الفكر القومي أن نتراخى إذا أدى المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية في 22 أيار/ مايو إلى تواني الحرب ضد الإرهاب أو إضعافها والتسبب في مرحلة انتقالية في تركيا». في السياق ذاته، أوضح المحلل السياسي التركي باكير أتاجان أن خطوات تحويل نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي ستبدأ مع المؤتمر العام الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، حيث سيتم اختيار زعيم جديد للحزب وبالتالي سيصبح هذا الزعيم رئيساً للوزراء، مؤكداً أن الشخصية الجديدة لن تكون قيادية وسيكون رئيس وزراء شكلي.
واعتبر في تصريحات لـ«القدس العربي» أن نظام الحكم بدأ ينتقل تدريجياً من البرلماني إلى الرئاسي، لافتاً إلى أن النظام البرلماني السابق تسبب في وجود رئيس قوي منتخب ورئيس وزراء قوي أيضاً الأمر الذي يخلق تداخل وتشابك في السلطات ويؤدي إلى إضعاف نظام الحكم.
وقال: «المادة 104 من الدستور التركي تقول إن الرئيس هو أعلى سلطة في البلاد، وفي الوقت ذاته بحسب النظام البرلماني رئيس الوزراء هو من يقرر في كثير من أمور البلاد، هذا الأمر تسبب في مشاكل تاريخية بين جميع الرؤساء ورؤساء الوزراء على مدى عشرات السنوات الماضية»، مشيراً إلى أن أردوغان هو أول رئيس منتخب مباشرة من الشعب وهذا يخوله بشكل كبير استخدام صلاحياته.
واستبعد أتاجان أن يضطر أردوغان للدعوة إلى انتخابات مبكرة، وقال: «حزب العدالة والتنمية لا يمتلك العدد الكافي من أعضاء البرلمان من أجل طرح الدستور على الاستفتاء الشعبي العام، لكنه يمكن أن يحصل على دعم نواب حزب الحركة القومية للحصول على 17 صوت لإتمام الـ330 صوت اللازمة لطرح لذلك»، متوقعاً أن يتم الانتهاء من الدستور الجديد وتحويل نظام الحكم قبيل نهاية العام الجاري على أبعد تقدير.
وأكد رئيس لجنة الدستور في البرلمان التركي، مصطفى شينتوب، على أن النظام الرئاسي أصبح ضرورة بالنسبة للواقع السياسي في تركيا، وقال: «النظام البرلماني الموجود حاليا والذي نعترض عليه، ودستور عام 1961 جاءا بعد الانقلاب.. العديد من السياسيين عبروا منذ ما يقارب الخمسين عاما عن فشل هذا النظام. ونحن اليوم نريد أن نعالج من خلال النظام الرئاسي مسألة تناقش في تركيا منذ خمسين عاما».
واعتبر أن النظام الرئاسي من شأنه أن يعزز الاستقرار السياسي في البلاد من ناحية، وأن يقطع الطريق أمام الانقلابات على النظام، ورأى أن «20 حكومة تعاقبت على الحياة السياسية التركية في السنوات الـ 33 الأخيرة.. النظام الرئاسي كان سيتيح تشكيل 7 حكومات مستقرة تواصل كل منها أعمالها لمدة 5 سنوات، خلال الفترة الزمنية نفسها، وذلك من خلال انتخابات برلمانية وانتخاب الحكومة بشكل مستقل».
وانتقد شينتوب ما وصفها بـ«محاولات البعض إظهار المسألة على أنها رغبة شخصية للرئيس أردوغان.. القضية مدار بحث في البلاد «منذ أن كان أردوغان في المدرسة الإعدادية».(القدس العربي)