منذ سطوع نجم أحمد داوود أوغلو في عالم السياسة، لازمه وصف “دمية أردوغان”، في إشارة إلى رجل تركيا القوي، رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان، الذي حمل داوود أغلو من الميدان الأكاديمي والفكري إلى عالم السياسة، فلمع في كل المواقع التي تسلمها، وتحول إلى ظاهرة سياسية في المنطقة. وحين اكتفى أردوغان من منصب رئاسة الحكومة وحزب العدالة والتنمية، وانتقل إلى رئاسة الجمهورية، كان داوود أوغلو بديله المفضل للرئاستين؛ الحكومة والحزب.
وكان وجود داوود أوغلو على رأس الحكومة، ضمانة لامتثال السلطة التنفيذية في تركيا لتوجيهات الرئيس، والتزامها بتنفيذ أجندة اردوغان المتعلقة بتغيير نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي.
خلال تسلمه رئاسة الحكومة، كان داوود أوغلو يشبه أردوغان في كل شيء؛ تلميذ على خطى استاذه في السياسة والحكم، ومدافع عنيد عن مواقف اردوغان وتوجهاته “العثمانية”. لم يكن هناك ما يوحي بوجود أي خلافات بين الرجلين، وبدا أن تركيا ماضية نحو تعديل الدستور، وأن داوود أوغلو هو من سيرث الحكم من أردوغان.
لكن، وعلى نحو مفاجئ، تكشفت خلافات لم تكن واردة في الحسبان بين الزعيم و”دميته”، في سيناريو مكرر لما حصل بين أردوغان ورفيق دربه في النضال عبدالله غُلّ.
كان أردوغان قد أجهز على غُلّ، وألقى به خارج حلبة الحكم والحزب، ودفعه إلى اعتزال الحياة السياسة. وقد وثق أحد مستشاري غُلّ تجربته هذه بكتاب، كان له وقع الصاعقة في تركيا.
وقبل المواجهة الأخيرة مع رئيس وزرائه، خاض أردوغان معركة وجود مع حركة الخدمة العامة بزعامة فتح الله غولن، التي تحالف معها لسنوات طويلة، وأسهم دعمها في تعزيز سلطة حزب العدالة والتنمية. نجح أردوغان في تحطيم ما عرف بالدولة الموازية، وفكك خلاياها داخل أجهزة القضاء والأمن والحكومة. وفي طريقه، أخذ العشرات من محطات التلفزة والصحف بحجج مختلفة، وكتم كل صوت معارض في وسائل الإعلام.
لم يخسر أردوغان أيا من معاركه مع خصومه. وقد نال في الانتخابات التشريعية الأخيرة دعما كبيرا، رغم أن حزبه لم يحقق الأغلبية الكافية لتعديل الدستور.
على المستوى الإقليمي، واجه أردوغان أوضاعا معقدة، ودخل في مواجهة مفتوحة مع الجماعات الكردية المسلحة وتنظيم “داعش”، فأصبح استقرار تركيا الداخلي في وضع خطير، بعد سلسلة من العمليات الإرهابية التي ضربت قطاع السياحة، وهوت بمعدلات النمو المتوقعة. لكنه في المقابل، تمكن من إبرام صفقة رابحة مع الاتحاد الأوروبي فيما يخص اللاجئين، كان لرئيس الوزراء المستقيل دور كبير في إنجازها.
لكن وسط كل هذه التحديات، يجازف أردوغان بالتخلي عن أخلص رجاله، في خطوة قد تعمّق الخلافات داخل حزبه الحاكم، وتعرّض سيطرته للاهتزاز. والأسوأ من ذلك أنها تكرس صورته كزعيم لم يعد يحتمل ظله، ولا يمانع في التخلي عن حلفائه من أجل تمكين سلطته، وتكريس “الأردوغانية” كخيار وحيد لتركيا.
لم يشأ داوود أغلو أن يزيد من مشاكل تركيا وهو يغادر موقعه وسط ذهول الجميع. وآثر عدم خوض مواجهة خاسرة مع أردوغان، مفضلا الانسحاب بهدوء على غرار ما فعله رفيقه عبدالله غُلّ.