ما معنى التيار المدني والقوى المدنية؟ وما معنى التيار التقدمي؟ وما معنى التيار الديمقراطي؟ الواقع أنها عناوين تراوح بين الوصف الخجول المموه للذات (اللي بالي بالك)، أو هي تعكس اللبس بين التسمية والوصف والعجز عن تقديم الذات ومعرفة الذات.
هل تعني مدني عكس عسكري؛ أم ليس ريفيا أو بدويا؟ إذ لا يمكن أن تعني ليس دينيا. وإذا كان أصحاب هذه التسمية يعتقدون ذلك؛ أي ليس دينيا، فهي مواجهة خاسرة سلفا ضد المتدينين والتيارات الدينية، أو هي معركة في اتجاه أهداف وهمية غير موجودة. فالمتدينون مدنيون بالتأكيد! ولا يؤيدون حكما عسكريا… ولا يوجد ابتداء في الأردن جدل بين المدني والعسكري!
عدم الجرأة أو عدم القدرة على تقديم الذات للناخب ووصف الفكرة كما هي، لا يبشران بقدرة تجمعات “عشوائية” لا تعي ذاتها ولا تقدر أو تجرؤ على تقديم فكرتها كما هي، على قيادة المجتمعات أو التأثير في السياسة والتشريعات. في أي اتجاه سوف تعمل أو تؤثر تجمعات وشخصيات خائفة لا تعرف من هي ولا تعرف ممّ أو ممن تخاف؟
وما معنى تقدمي؟ في الواقع، إنها تسمية وليست وصفا، مثل أن تسمي ابنك “شجاع” أو أن تسمي دكانك “التوكل على الله”. وفي مقدور جميع الأشخاص والتيارات والمؤسسات والبقالات والبسطات أن تسمي نفسها تقدمية، فهي تسميات لا تعبر عن فكرة أو برنامج أو موقف. فأن يتسمى حزب أو تيار بالحرية أو المدنية أو الديمقراطية، لا يعني إلا على سبيل الميتافيزيقيا أنها أحزاب تعبّر عن تيارات الحرية والديمقراطية والمدنية. هل يعني “التقدميون” أن غيرهم متخلف؟ حتى لو كانوا يعنون ذلك أو كان ادعاؤهم صحيحا، فإن التقدم لا يؤشر إلى فكرة أو موقف او برنامج أو تيار أو فلسفة.
نفهم تلقائيا، مثلا، أن اليسار يؤيد دورا اجتماعيا واقتصاديا للدولة، وأن الليبرالية تؤيد حرية السوق وأن تنظم نفسها بنفسها، فماذا يمكن أن نفهم عندما يقال تقدمي أو مدني أو ديمقراطي؟ هل يمكن أن نفهم، مثلا، أن التيار المدني يرفض أو يؤيد أنظمة لحماية المستهلك والمواطنين من الاحتكار وغياب التنافس وضعف الجودة وعدالة الأسعار في ظل حرية السوق، وأن التيار غير المدني -سواء كان يعني الديني أو العسكري أو “الآخرون”- لا يؤيدون ذلك؟
أما الوصف بالديمقراطية، فهو يؤشر إلى غيبوبة وانفصال عن الواقع؛ هل يعني الديمقراطيون أن هناك تيارات وشخصيات ضد الديمقراطية وأنهم يدافعون عنها؛ بمعنى هل يوجد جدل أردني بين أنصار الديمقراطية وأعدائها؟ ومن هم غير الديمقراطيين في الأردن، وكيف نعرفهم ونتصدى لهم باعتبارهم تيارا سياسيا واجتماعيا يقدم نفسه ويتقدم بفكرته هذه إلى الانتخابات أو يحاول إلغاء الانتخابات؟
بالطبع، فإن المدنية والتقدم والديمقراطية قيم عليا جميلة، لكنها مثلها مثل الحريات والعدالة والكرامة، قيم ومثل عليا تجمع بين جميع الأمم والمواطنين والتيارات، وليست مؤشرا يتميز به تيار أو مرشح عن غيره، كما يقال على سبيل المثال ليبرالي أو محافظ أو وسطي أو يساري أو علماني. والتسمي بالقيم العليا فكرة جميلة أيضا، لكنها تسميات لا تعكس اتجاها متميزا أو محددا.
إذا كان مرشحون وناشطون ونخب غير قادرين أو لا يجرأون على وصف أنفسهم أو تقديم أنفسهم، فكيف يمكن الثقة بقدرتهم على اشتقاق أفكار وبرامج؟ الواقع أنها تجمعات عشوائية ليس لديها فكرة أو مقولة سوى “انتخبوني”!