عروبة الإخباري- مرّت أمس الذكرى الخامسة لتصفية زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في العملية التي نفّذها الأميركيون ضد مخبئه في أبوت آباد، (50 كلم شمال إسلام آباد). وعلى رغم أن رحيل الرجل الذي تربع لسنوات على قمة أبرز الإرهابيين المطلوبين عالمياً، لم يقض نهائياً على تنظيمه، إلا أن الواضح أن «القاعدة» في عهد خليفته أيمن الظواهري، تواجه خطر الاندثار إذا ما سارت الأمور كما يشتهي «خليفة» من نوع آخر هو أبو بكر البغدادي الذي نصّبه تنظيمه «داعش» في هذا المنصب قبل نحو سنتين. ولعل المفارقة أن «نهاية القاعدة» التي طالما تمناها الأميركيون وساهموا فيها بقتلهم بن لادن وعشرات غيره من قادة التنظيم، يمكن أن تأتيهم اليوم على «طبق من فضة» ولكن بأيدي غريم جديد هو «داعش» الذي طغت ممارساته على كثير من جرائم «القاعدة».
وأحيت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) ليل الأحد – الاثنين ذكرى قتل بن لادن بـ «تغطية مباشرة» للحدث عبر «تويتر» و «كأنه يحصل اليوم»، ناشرة تغريدات توضح لحظة بلحظة تفاصيل العملية منذ انطلاق فرقة الكوماندوس («نيفي سيلز») بطائرات مروحية من أفغانستان إلى أبوت آباد، وهبوطها في مخبأ زعيم «القاعدة» القريب من أكاديمية للجيش الباكستاني، وصعود أفراد القوة الخاصة إلى الطابق الثالث حيث عثروا على بن لادن وقتلوه بعد تسع دقائق من بدء هجومهم. وتشير تغريدة إلى تحطم إحدى مروحيات الـ «نيفي سيلز» لدى هبوطها في المخبأ من دون أن يمنع ذلك عناصرها من شن الهجوم، كما توضح تغريدة أخرى (مرفقة بصورة) كيف تابع الرئيس باراك أوباما وإدارته الهجوم في صورة حية حتى التأكد من مقتل بن لادن الذي نُقلت جثته إلى أفغانستان ثم إلى بارجة تولت دفنه في مياه بحر العرب. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، كشف روبرت أونيل العنصر السابق في الـ «نيفي سيلز» إنه هو من قتل أسامة بن لادن بثلاث رصاصات، مشيداً برفاقه في العملية الذين «جسّدوا روح العمل الجماعي»، مضيفاً: «وجدت نفسي في غرفة نوم أسامة بن لادن، وصلت إليها على أكتاف عمالقة».
وسارع تنظيم «القاعدة» إلى تعيين المصري أيمن الظواهري خليفة لبن لادن، لكنه لم يتمكن، كما يبدو، من استغلال «الفرصة الذهبية» التي جاء بها «الربيع العربي» من خلال الفوضى التي عمّت بلداناً عدة سقطت أنظمتها. وظل الظواهري مقلاً في الكلام، لاعتبارات أمنية كما يبدو خشية فضح مكان اختبائه، وهو أمر انطبق أيضاً على قيادات تنظيمه الذين كانت طائرات «الدرون» الأميركية تلاحقهم كلما أطلّوا برؤوسهم في مناطق القبائل الباكستانية. وتركت هذه الضربات، وطريقة إدارة الظواهري لتنظيمه، أثراً لا يُستهان به على «القاعدة»، خصوصاً في ظل بروز «بعبع داعش» في سورية والعراق بدءاً من العام 2013. فقد نجح «داعش» إلى حد كبير في تحقيق ما فشلت فيه «القاعدة» لسنوات طويلة وهو الاستحواذ على بقعة أرض تُقام فيها «دولة» تُدار كما يشاء قادتها. لكن تنامي نفوذ «داعش» في سورية والعراق لم يحصل سوى بعد خلاف مع الظواهري الذي كان يعتقد أن القادة العراقيين يلتزمون أوامره، ليُفاجأ بأنهم لا يستمعون لا لأوامره ولا حتى لنصائحه. فعندما طلب منهم ترك سورية لـ «جبهة النصرة» والاكتفاء بالعراق، ردوا بـ «إلغاء حدود سايكس بيكو» بين البلدين وإعلان «خلافة» فيهما وإطلاق حرب ضد «النصرة» بدءاً من صيف 2014.
ووسّع «داعش» لاحقاً حربه ضد «القاعدة» لتشمل ليبيا (يقاتل «داعش» فيها جماعات مرتبطة بـ «القاعدة») والصومال (ضد «حركة الشباب»، فرع «القاعدة» في القرن الأفريقي) وأفغانستان (ضد «طالبان الوطنية»، كما تعيّرها بيانات «داعش»).
ولا تخفي الاستخبارات الأميركية اليوم أن خطر «داعش» يضاهي خطر «القاعدة» بأشواط، لا سيما في ظل الهجمات الدامية التي يشنها الأول حول العالم، من باريس وبروكسيل، مروراً بتونس ومصر وتركيا ودول أخرى. وقال مدير الـ «سي آي أي» جون برينان لقناة «أن بي سي» ليل الأحد: «قضينا على قسم كبير من تنظيم القاعدة. لم نقض عليه تماماً بعد، الآن علينا أن نواجه في السنوات المقبلة الظاهرة الجديدة لتنظيم داعش». وعندما سأله صحافي «أن بي سي» إن كان البغدادي «بأهمية» بن لادن، أجاب برينان: «نعم إنه مهم وسنقضي على تنظيم الدولة الإسلامية لا شك في ذلك. إذا صفينا البغدادي أعتقد أن ذلك سينعكس سلباً على التنظيم».(الحياة)