في اوساطنا السياسية، وفي أحيانٍ كثيرة، يذوي الفرق بين العارفين بالسياسة والعرّافين، مع كل نهاية حكومة؛ لينشغل الجميع، نخباً ورأياً عاماً، بتحديد بورصة رئيس الوزراء المقبل.
خلال الأيام القليلة الماضية، ومع مؤشرات أفول عمر حكومة د. عبدالله النسور، بدأت الأسماء بالبروز، والتكهنات بالانتشار، وأصبح اسم الرئيس حديث المجالس العامة والخاصة!
يقولون: المطلوب رجل اقتصادي؛ ويقولون: المطلوب رجل أمني. وآخرون يؤكدون أنّ الرئيس سيكون من الشمال، والبحث جارٍ عن اسمٍ لتعويض غياب “حيتان السياسة” الشماليين. أسماء عديدة، بدءاً من رئيس الديوان الملكي، مروراً برئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، وصولاً إلى هاني الملقي وعلاء البطاينة.
بالطبع، لن أدخل في سباق التكهنات، فلا يتجاوز من يحيطون علماً بالأسماء المرشّحة أصابع اليد الواحدة. لكن مثل هذه “اللعبة” لم تعد، بصراحة شديدة، مقبولة، في دولة تعلن أنّها تتجه نحو حكومة برلمانية وتسير على خطى ديمقراطية، مع إقرار مجلس الأمة للتعديلات الدستورية الأخيرة.
هي ظاهرة بالتأكيد ليست صحيّة، وتؤشر على أنّنا ما نزال ندور في الحلقة ذاتها، بلا أي تقدّم، فيما لا تجد وثوقاً لدى النخب والشارع بموضوع المشاورات النيابية، ما يعني أنّ هناك قناعة تكاد تكون طاغية بأنّ مخرجات الانتخابات لن تعني شيئاً!
“أين الخلل؟” هو السؤال الذي من المفترض أن نسأله لأنفسنا، نخباً سياسية ومثقفين، إن كنّا بالفعل نرنو إلى دولة ديمقراطية، عنوانها القانون والمواطنة والحريات العامة؛ لماذا لم تنعكس كل هذه التشريعات والخطوات على الحياة السياسية لتحدث فرقاً نوعياً في المشهد؟!
الجواب برأيي هو أنّ ثمة دوائر قرار ما تزال تخشى، ولا ترغب في رؤية قوى سياسية قوية في الشارع. ففضلاً عن تكسير “الإخوان”، بأيديهم وأيدي الدولة، فإنّ الخشية تتجاوزهم إلى القوى السياسية الأخرى، حتى تلك التي بنتها الدولة في لحظةٍ ما، ورعتها واحتضنتها، ومنحتها الأغلبيات النيابية، كما حدث مع حزب التيار الوطني أو الائتلاف النيابي الحالي، الذي من الواضح أنّه لم يصمد حتى في البرلمان، فضلاً عن تحوله إلى حزب يخوض الانتخابات ببرامج موحدة وقوائم مدروسة!
أعلم أنّ هناك من سيقول إنّ البنية الاجتماعية لا تسمح بولادة الأحزاب السياسية. وهذا قول مشكوك فيه تماماً! فلو كانت هناك رغبة حقيقية، لفتحنا الباب واسعاً أمام ولادة حياة حزبية حقيقية، حتى لو لم تكن على “السكّة” الصحيحة في البداية، إذ إنّها مع التجربة وتطويرها وتجذيرها ستضطر لأن تقترب من الجماهير والشارع، وتعدّل في برامجها وخطابها لتصل إلى مرحلة تؤهلها للنجاح في الانتخابات والتحالف في البرلمان.
هل هو حكم مسبق على الانتخابات المقبلة؟ قد يكون، لكن ليس من باب التشاؤم، بل من باب قراءة الأسباب والشروط الموضوعية والروافع السياسية المطلوبة لتجاوز الحلقة المفرغة التي ما نزال ندور فيها!
التشريعات القانونية والتعديلات الدستورية، وتغيير النظام الداخلي لمجلس النواب، كلها عوامل قد تساعد في ترسيم معالم اللعبة السياسية المقبلة. لكن من دون إيمان حقيقي بأهمية القوى السياسية ودورها، فإنه لن يكون هناك تغيير، وسنبقى نبحث عن اسم وزراء تحزيراً وتكهناً!