الزمن تغير في الأردن، وبعضنا ما يزال يقارب أسلوب الحكم وفق سردية الماضي؛ زمن الملك الحسين رحمه الله. كان تغيير الحكومات في عهد الحسين محكوما باعتبارات خارجية؛ دولية أحيانا وعربية في مراحل أخرى. يأتي زيد الرفاعي، فيعرف الجميع أن وجهة الحسين هي دمشق، يكلف مضر بدران فيحضر العراق في الصورة. في زمن أبكر، ارتبط تشكيل الحكومات بتحولات ميزان القوى الدولي وتبدل التحالفات الأردنية؛ الانتقال من عهد الانتداب البريطاني إلى عصر التحالف مع القوة الدولية الصاعدة، الولايات المتحدة الأميركية، وهكذا.
في عهد المملكة الرابعة؛ عهد الملك عبدالله الثاني، تبدلت المعادلة تماما، وإن بشكل تدريجي. تشكيل الحكومات واختيار رؤساء الوزارات، صارا يخضعان لاعتبارات داخلية؛ اقتصادية وخدمية بالدرجة الأولى. وفي بعدها الخارجي، تراعي التشكيلة؛ رئيسا وفريقا اقتصاديا، التزامات الأردن مع مؤسسات المال المهيمنة في العالم؛ صندوق النقد والبنك الدوليين.
السياسة الخارجية لم تعد تخضع لمزاج الحكومات؛ صارت لها قسمات واضحة ومستقرة، وترتبط بشكل مباشر بالملك. العالم الخارجي بات يفهم هذه المعادلة أكثر من نخبنا أحيانا. قادة الدول وساستها يتعاملون مع الأردن عبر بوابة القصر الملكي، ولا يعنيهم كثيرا الرجال التنفيذيون.
لا السعودية تضبط علاقاتها مع الأردن على ساعة غير الساعة الملكية، ولا أميركا تكترث باجتهادات هنا وهناك، ما دامت علاقاتها مع الأردن معروفة على أعلى مستوى.
يندر أن تقابل دبلوماسيا أجنبيا أو مسؤولا في دولة عربية، ولا يذكر اسم الملك حين يكون السؤال عن مواقف الأردن من أزمات المنطقة وعلاقاتنا مع العالم الخارجي.
المسؤولون من مختلف الرتب؛ وزراء ومبعوثين، هم ممثلون لجلالة الملك في الخارج، ليس إلا؛ لا يصنعون سياسة، وإنما ينفذون فقط لا غير.
فيما يخص العلاقة مع السعودية، باعتبارها قضية مطروحة حاليا، لا يمكن للمرء أن يتخيل بأن ملفا استراتيجيا بهذه الحساسية، يُترك لاجتهادات الساسة. ارجعوا إلى البدايات؛ فمنذ أن تسلم الملك عبدالله الثاني سلطاته، وضع هدفا نصب عينيه، وهو إعادة الزخم لعلاقات الأردن مع السعودية ودول الخليج. وسعى في مرحلة من المراحل إلى اكتساب العضوية الكاملة في مجلس التعاون الخليجي. لم يتحقق ذلك لاعتبارات كثيرة، لكن في المحصلة جرى تدشين تحالف وثيق، حافظ على وتيرة مستقرة ومعقولة حتى يومنا هذا.
وإذا ما تعرضت علاقة الأردن مع دولة أجنبية أو عربية لحالة من عدم الاستقرار، فمرد ذلك، في معظم الحالات، أحوال تلك الدولة وما تشهده من تغيرات، وليس الأردن. وليس غريبا في مثل هذه الظروف أن يبدّل الملك في مفاتيح العلاقة، ليختار ما يصلح منها لفتح الأبواب فقط لا غير.
يتعجب المراقب، وهو يتابع السجالات الساخنة حول صعود فلان وأفول نجم علان، والحفر في دلالات هذا التغيير على سياسات الأردن الخارجية. إنها مجرد تمارين ذهنية لا قيمة لها في الواقع. وفي المرحلة المقبلة، سنشهد المزيد من التحولات التي تبدد هذه الأوهام.
حكومات ما بعد الانتخابات المقبلة تكنوقراطية بامتياز، واجباتها داخلية بحتة. أما السياسة الخارجية وعلاقات الأردن الاستراتيجية، فليس فيها محل للاجتهاد خارج النص الملكي.