منذ تولى الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد السيادة والقيادة في المملكة العربية السعودية، في مطلع عام 2015، والمملكة تعيش مرحلة تغيراتٍ إيجابيةٍ بخطواتٍ سريعةٍ، كأنها تسابق الزمن.
(2)
كانت أولى مراحل التغيير إعادة تنظيم قمة هرم السلطة السياسية، فكان الشباب رمز الحيوية والعطاء، جيء بهم ليقودوا عملية التغير والتغيير، بعيداً عن الأسلوب التقليدي الذي كان متبعاً في العهود السابقة. لم تكتمل عمليات بناء الهيكلة الإدارية، كما أرادها الملك سلمان، لأن الأحداث الكبيرة داهمت صانع القرار في الرياض، الاتفاق الأميركي الأوروبي مع إيران، بشأن البرنامج النووي، وتبعات ذلك الاتفاق على أمن دول الخليج العربية وسلامتها، تدخل روسيا الاتحادية، بكل ثقلها العسكري والسياسي، إلى جانب نظام بشار الأسد لترجيح كفته في الحرب الدائرة ضد الشعب السوري الشقيق، وضد رغبة ذلك الشعب في اختيار نظام الحكم الذي يريد. تبع ذلك التفاف إيراني على جزيرة العرب من الجنوب، فكانت الحرب الأهلية بين الحكومة الشرعية اليمنية (ومؤيديها) والباغين على السلطة الذين استولوا على مفاصل الدولة، بدعم مالي وعسكري إيراني، واحتجاز رئيس الجمهورية وأعضاء حكومته الذين استطاعوا الانفلات من قبضة البغاة (الحوثي وصالح).
كان على القيادة السعودية الشابة، بقيادة الملك سلمان، مواجهة تلك الأخطار، فكان التحالف العربي الذي انبثقت عنه عملية عاصفة الحزم العسكرية لمواجهة التمدّد الإيراني عبر اليمن عن طريق الحلف الثنائي (صالح والحوثي)، وبناءً على طلب القيادة الشرعية اليمنية، بقيادة عبد ربه منصور هادي، كان التدخل العسكري الخليجي لنصرة الحق على الباطل. ومن الإنجازات أيضاً، أن القيادة السعودية استطاعت تشكيل “حلف عسكري إسلامي”، أعلن عنه في ديسمبر/ كانون الأول 2015، يضم أربعين دولة عربية وإسلامية، ويهدف هذا الحلف إلى محاربة التطرف، عن طريق التوعية والإرشاد على أسسٍ علميةٍ وبفكرٍ مستنير، إلى جانب القوة العسكرية لمحاربة الإرهاب، بجميع صوره وأشكاله. من هنا، نستطيع القول إن الإدارة السعودية أنجزت، في مدة لم تتعدّ 16 شهراً، بعض مشاريعها، لبناء الدولة السعودية الحديثة.
“يلفت انتباه المواطن السعودي في”مشروع الرؤية السعودية 2030″، إلى جانب أمور أخرى، إدراك صاحب المشروع، الأمير محمد بن سلمان “ثقل البيروقراطية السعودي” على المواطن والمستثمر والمقيم”
(3)
كان هاجس التنمية الاقتصادية والاجتماعية من بين أولويات الإدارة السياسية الشابة في المملكة، فكانت “رؤية السعودية 2030” التي خطط لها ولي ولي العهد وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الأمير محمد بن سلمان، وأشرف على صياغتها وقدّمها في صورتها النهائية إلى مجلس الوزراء، ليتم إقرارها والتوجيه بتنفيذ بنودها.
سيظل الحديث عبر وسائل الإعلام والمجالس والمنتديات في داخل المملكة وخارجها عن تلك الرؤية السعودية، يتناولها بعضهم بالشرح والتحليل، مشيراً إلى الثغرات في ذلك المشروع المهم والكبير، بهدف مساعدة صناع القرار في سد تلك الثغرات، من أجل إنجاح المشروع. وسيتناولها آخرون بالتشكيك وعدم جدواها، وبأن هناك أولويات كان من المفترض معالجتها، بدلاً من الإبحار في مشروع التنمية الشاملة. وهناك فريق من الكتاب لا يعجبهم العجب، ولا الصيام في رجب، وهؤلاء يجب ألا نتوقف عند ما يكتبون، لأنه مضيعة للوقت.
ما يلفت انتباه المواطن السعودي في”مشروع الرؤية السعودية 2030″، إلى جانب أمور أخرى، إدراك صاحب المشروع، الأمير محمد بن سلمان “ثقل البيروقراطية السعودي” على المواطن والمستثمر والمقيم، فهو يعلم حق اليقين تراكم الملفات أمام القضاة، والتي أصبحت لا تحتمل، لطول زمن معالجتها، والنظر في موادها، وإصدار الأحكام القضائية بكل نزاهة وشفافية. سرعة التقاضي وسرعة إصدار الأحكام بكل نزاهة وشفافية في القضايا المطروحة أمام القضاة، تجارية أو اجتماعية، من عوامل إنجاح عمليات التنمية والاستقرار السياسي، وشيوع الطمأنينة بين الناس. يقتضي ذلك إعادة النظر في القوانين واللوائح الإدارية، لكي تتماشى ومشروع الحكومة الإلكترونية، بهدف سرعة الإنجاز.
تشير “الرؤية” إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة في العالم في الإنفاق على التسلح، وأنها تخطط لتأسيس مجمع صناعي عسكري، قادر على إنتاج 50 % من احتياجات الدولة التسليحية، ووضعت “الرؤية” آلية تحقيق ذلك الهدف. لكن، غاب عن الخطة مشروع “التجنيد الإجباري”، أو ما تسمى خدمة العلم أو الخدمة الوطنية، ولما كانت المملكة العربية السعودية مترامية الاطراف، وفي ظل عالمٍ مضطربٍ، فإنها تحتاج إلى جيش قوي عدداً وعدةً وتدريباً. يقلل هذا المشروع، أي التجنيد، نسبة البطالة بين الشباب، والتي تقدر بأكثر من 11%، كما أنه يعين المجتمع الشبابي في البلاد على الانضباط والالتزام باللوائح والنظم وقواعد السلوك الحميدة، لأن الجندية مصنع الرجال.
آخر القول: لا جدال في أن هذه الرؤية تمثل نقلة نوعية في المجتمع السعودي، وأتمنى أن يساهم العامة والخاصة في العمل في تحقيق تلك الرؤية بكل صدق، من أجل مستقبل مشرق عزيز لكل المنطقة.