يعد الأمن النووي للدول قضية إستراتيجية مهمة في عالم اليوم لمتطلبات كثيرة، في ظل توجهات العديد من الدول، للسعي لامتلاك المفاعلات النووية، التي قد تدفعها إلى امتلاك السلاح النووي، بهدف السعي إلى ما يسمى بـتوازن الرعب، بهدف إبعاد أي خلل في إستراتيجية القوى العسكرية غير التقليدية بين الدول، ومنها السعي للسلاح النووي، الذي يسبقه الكلام عن الحاجة للأغراض السلمية، ولا شك أن التوازن النووي مهم لحفظ السلام والأمن الدوليين، لأن الاختلال في هذا الجانب، قد يسهم في تهديد بعض الدول لدول أخرى في الصراعات السياسية والإيديولوجية، في ظل عدم وجود توازن قوى في هذه القدرات التكنولوجية المهمة في عصرنا الراهن، وهذا ما دفع بعض الدول منذ عدة عقود إلى السعي حثيثًا لامتلاك هذه القوة التكنولوجية، فالصين عندما امتلكت السلاح النووي، وكان بينها وبين الهند مشاكل حدودية قديمة، سعت لهذا السلاح النووي، واستطاعت امتلاكه، وبعدها سعت باكستان لامتلاك السلاح، بسبب حصول الجارة الهند على هذا السلاح النووي، وتحقق لها هذا السعي، وإيران الشاه سعت للسلاح النووي منذ فترة الستينيات، وللإغراض السلمية كما تقول، لكن هذا السعي كان بسبب امتلاك دول المعسكر السوفيتي آنذاك لهذا السلاح، خاصة أنها لها حدود مع بعض هذه مثل أذربيجان وأرمينيا، ثم استمر هذا المشروع النووي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، لذلك فإن الدول عندما تسعى للمفاعلات النووي تدعي أنها تريدها للأغراض السلمية، لكن الجانب الأهم في هذا السعي هو من أجل الردع النووي، والحاجة إلى الحاجة العلمية السلمية، وهذا المسعى لا يزال إلى الآن يراود الكثير من دول العالم، لكن الهدف الأكثر سعيًا هو لتوازن القوى في ظل بعض الصراعات والخلافات السياسية حقيقة، وهي الرغبة الأساسية للكثير من دول العالم، بما فيها الدول الكبرى. والحقيقة أن السعي للقدرات النووية، لم يعد هدفه الأساسي للحرب، بل من أجل توازن القوى أو توازن الرعب (أنت عندك وأنا عندي)، وهذه هي الرؤية المطلوبة لامتلاك القدرات النووية في عصرنا الراهن، فالأسلحة التقليدية أصحبت كثيرة وخطيرة في أثرها النفسي والمادي، واستخدام السلاح النووي بهدف الحرب، ليس له وجود فعلي ولم يتم استخدامه بعد العالمية الثانية، ولا هناك رغبة حقيقية في استخدام هذا الأسلحة الخطيرة والمدمرة، لكن هذا الامتلاك المتوازن، يسهم إلى التقليل في التهديد والتخويف من فرض القوة والهيمنة من بعض الدول على بعضها الآخر، ويرى د/ إسماعيل صبري مقلد في كتابه (الإستراتيجية والسياسة الدولية)، أن توازن القوى “يحقق بمفهومه هذا أثرين مهمين يتعلق أولهما بحفظ السلم الدولي، بينما يتعلق ثانية ما بحماية استقلال الدول الأعضاء في تلك المحاور والتكتلات ويستند على ركيزتين أساسيتين:
ـ إن الدول الأطراف في تجمعات ومحاور القوى المضادة يجمعها هدف واحد، هو الإبقاء على الاستقرار السائد في علاقات القوى، وردع العدوان.
ـ إنه في أي موقف دولي، فإن التوازن يتحقق عن طريق قدرة هذا النظام ـ أي نظام ـ على توليد ضغوط متعادلة ومتعاكسة، وبذلك يمكن تفادي حدوث أي اختلال غير مرغوب فيه في علاقات القوى هذه. ولذلك ـ كما يقول مقلد ـ تنقسم توازنات القوى بهذا المفهوم إلى نوعين: أ ـ توازنات القوى البسيطة ـ ب: وتوازنات القوى المعقدة أو المتعددة الإطراف، وتقييم أثر سياسات توازن القوى في العلاقات الدولية (بالمفهوم التقليدي لهذا التوازن) يكشف عن بعض الجوانب الإيجابية، كما يكشف عن الكثير من الجوانب السلبية التي اقترنت بتطبيق هذا المبدأ، فأما إيجابيات هذا المبدأ، أن تطبيق توازن القوى أبقى على تعدد الدول في المجتمع الدولي، واستطاع أن يحول لفترة تزيد على ثلاثمائة عام ـ وهي أطول فترة على تطبيقه ـ دون انفراد دولة واحدة بالسيطرة العالمية، وهذا يفسر سبب الحروب المستمرة التي وقعت في المجتمع الدولي منذ ظهور نظام الدولة القومية، وحتى مؤتمر فيينا، الحربين العالميتين في القرن العشرين. فكل هذه الحروب وقعت للحيلولة دون إعطاء دولة واحدة إمكانية السيطرة على العالم كله”. والحقيقة أن مسألة الأمن النووي مطلوبة للأغراض العلمية والسلمية، وأصبح وجود هذه المفاعلات، تحسب لها الدول حسابات كثيرة، لاسيَّما بهدف توازن القوى، ولذلك فإن الحصول على التكنولوجيا النووية، من أجل التوازن التكنولوجي، والاستفادة من مجالاتها العلمية الأخرى، أصبحت حاجة ملحة للكثير من دول العالم، في الجانب السياسي على وجه الخصوص، لكن الدول الكبرى، تحسب حسابات كثيرة لإقامة مفاعلات نووية في دول كثيرة، وقد أصدر الرئيس أوباما منذ عدة سنوات كما تذكر بعض التقارير “الإستراتيجية الجديدة الخاصة بالأسلحة النووية إلى الاحتفاظ بالأسلحة النووية لردع أي تهديد أساسي بضربة نووية على الوطن الأمريكي، مع تعزيزها كذلك لهدفه النهائي المتمثل في جعلها أسلوبا دفاعيا عفا عليه الزمن. وتتناول الإستراتيجية، الواردة في تقرير يقع في 72 صفحة ـ وهو تقرير مراجعة الوضع النووي ـ الذي تم وضعه بصورة مشتركة من قبل وزارة الدفاع، ووزارتي الخارجية والطاقة ومجلس الأمن القومي، وهو ما يعتقد أنه يشكل التهديد المحتمل الأكبر في العقد القادم ـ وهو أن يتمكن إرهابيون من الحصول على مواد نووية لصنع القنابل “القذرة” وزيادة الانتشار النووي على الصعيد العالمي نتيجة لقيام مزيد من الدول بالتسلح بالأسلحة النووية والقنابل القذرة. الدول التي تحصل على القدرات النووية ستمثل معضلة أكثر إثارة للقلق تتمثل في دورة مفزعة من انتشار لا ينتهي من شأنه زعزعة استقرار مناطق بأكملها في العالم”.
فالدول الكبرى لا تريد أن يفتح الباب على مصراعيه لأسلحة الدمار الشامل، والخوف أن تمتلكه الجماعات المتطرفة التي يقال إن بعضها حصل على بعض الأسلحة المحرّمة، لكن القضية الأهم والتي يجب أن يحرص عليها المجتمع الدولي، أن يتم السعي لإقامة العدل ومحاربة المظالم، وأن ترعى الحقوق المسلوبة للشعوب المضطهدة، وأن يتم إبعاد المعايير المزدوجة للكثير من القضايا العالقة والخافتة، خاصة قضية فلسطين التي تعتبر أطول القضايا التي بقيت لا حل لها حلا عادلا حتى الآن، هذا الحق العادل تم وفق القرارات الدولية، وأن تتم تسوية النزاعات القائمة، ليس على أساس الإيديولوجيات (وهذا معنا وهذا ضدنا)، بل يجب أن يتم تقييم المشكلات على أساس العدل والمساواة من أجل الاستقرار، بغض النظر عن سياسة المحاور والأحلاف الدولية، وإلا ستبقى المشكلات عالقة، وأن خفتت لفترة زمنية، فإنها تعود مرة أخرى، ربما أكثر مما كانت عليه