قبل فترة تم الإعلان عن إطلاق مقياس الاستعداد الأسري للمقبلين على الزواج من الجنسين، بهدف معرفة جوانب النقص التي قد تُفشل زواجهم، وذلك كمشروع للمركز الوطني للقياس والتقويم بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية.
مما لا شك فيه أن هذا المشروع بنظر أصحاب هذه المبادرة سيعزز جوانب القوة، ويعالج الضعف لدى الشبان والفتيات بأساليب شتى، منها القراءة الذاتية والتدريب وبرامج المعالجة، لتفادي مشكلات مستقبلية قد تهدم صرح البناء الأسري.
هذا المشروع مجرد فكرة ستخضع للتجربة، ولكن من الواضح أن كل الطرق أمامه ممهدة ليكون فرض عين مستقبلاً على كل مقدم على الزواج، كشرط لعقد النكاح كالفحص الطبي وموافقة ولي الأمر وغيرها من شروط يقوم عليها عقد القران.
وهنا يأتي السؤال، هل مشكلة الزواج عندنا حلها في اختبار قياس أو كما أطلقوا عليه مقياس الاستعداد الأسري؟ ألا ترون معي أن مفردة اختبار بحد ذاتها تجعل المقبل عليه يصاب بالقلق؟
وهل وجود مركز قياس في منظومة الزواج الأسرية سينقل إلينا ما علق به من رهبة وتعقيد في المنظومة التعليمية لتشمل شريحة أكبر وأهدافاً أسمى؟
لينجح الزواج لا بد من صياغة عقود جديدة يعرف من خلالها كل أحد ما له وما عليه، وأن تحفظ لكل طرف حقه عند الخلاف، وأن نتجاوز كلاسيكية التعامل مع مشكلات المؤسسة الأسرية إلى ما يواكب ظروف هذا الزمان.
لم يسبق لنا أن رأينا وزارة الشؤون الاجتماعية داخل مشهد الزواج ومشكلاته، ما تعودناه هو إلقاء كل تبعيات الزواج على المؤسسة العدلية التي تزدحم أروقة محاكمها وردهاتها بقضايا الأحوال الشخصية التي أقفلت بوجهها أبواب الحلول، لأن أصل الارتباط كان مبنياً على عدم تكافؤ الفكر والميول والاتجاهات.
من وجهة نظر شخصية، أرى أن ظهور الوزارة على واجهة المشروع يبشر بخير، ولكن ليت حراكها يكون خارج مدار الاختبار والقياس.
المطلوب منها ما هو أعمق وأكثر فائدة من ذلك، فلماذا لا يكون لها دور قبل وبعد الزواج كإجراءات وقائية وعلاجية تبدأ قبل العقد وتستمر إلى ما بعده.
وكأمثلة على ذلك نحتاج إلى إقرار دورات تثقيفية منفصلة ومتصلة مع المقبلين على الارتباط ليعرف كل طرف حقوقه وواجباته وما عليه من مسؤوليات، فلا تهضم حقوق ولا تنتهك حرمات باسم الرباط المقدس، وأن يدرك الطرفان أن الزواج مودة ورحمة وأساس تقوم عليه المجتمعات، وأنه ليس صك ملكية أو رباطاً الهدف منه فقط الإنجاب.
نحتاج لمعلومات صادقة تعطينا فكرة واضحة عن تاريخ المقبل على الزواج الصحي والنفسي ووضعه المالي والثقافي، يقدمها الشخص شاباً كان أم فتاة يلتزم هو بصحتها وتلتزم الوزارة بسريتها، وذلك كي لا نتفاجأ بتبعيات مغيبة تفسد كيان الأسرة وترهق الكاهل بما لا ذنب للطرف الآخر فيه.
وأيضاً بعد ثورة الإعلام الجديد أصبح هناك لبس ملاحظ نتيجة الانفتاح الواضح، وسهولة التواصل بين الرجل والمرأة في وسائل التواصل الاجتماعي، وصعوبة ذلك في الحياة الواقعية نتيجة لخصوصية المجتمع وعاداته وتقليدية طرق الإقدام على الزواج، هنا نحتاج من الوزارة إلى التعاون مع وزارة التعليم للعمل على إعداد تربوي يدخل ضمن المناهج التعليمية لسد فجوة التعامل بين الجنسين، بالتثقيف والتوعية التي تجنب الشباب خصوصاً حديثي السن الانزلاق أسفل منحدر العلاقات الخاطئة التي تسهلها لهم سهولة التواصل في برامج التواصل الاجتماعي.
وبعد الزواج لا بد أن تكون الوزارة حاضرة بلجان مشكّلة لحل المشكلات التي قد تظهر بعده بعيداً عن الحلول القضائية، التي يجب أن تكون آخر الحلول حتى نضمن السلامة النفسية للأبناء.
في النهاية.. الزواج ليس علوماً أو رياضيات وهو ليس قانوناً أو تعريفاً أو نظرية، إنما هو رباط مقدس تمتزج فيه الأرواح بالأجساد، وتتعارف فيه العوائل وترتبط ببعضها نسباً ومصاهرة، لذلك فالاختبارات هنا ليست مجدية مقارنة بالتثقيف وفرض قرارات أكثر وأشمل فائدة.
لينجح الزواج لا بد أن يقوم على فكر صالح ووضوح وثقافة عالية بالهدف منه والمرونة في التعامل مع تبعاته، لقاءات في النور بعيداً عن ظلمات وسائل التواصل الحديث، واختبارات قياس نابعة من الفرد نفسه بناءً على ثقافة أسرية تتبناها الجهة المختصة.