المسألة الأولى: تصريح رئيس هيئة الطاقة الذرية أن كلفة المحطة النووية ستكون (10) مليارات دولار. أما رأس المال المدفوع لتمويل المحطة النووية فسيكون (3) مليارات دولار، سوف تدفع الاردن (1) مليار دولار فقط على مدى (7) سنوات، أي بواقع (145) مليون دولار كل سنة ،و (2) مليار سيدفعها الشركاء (روسيا والصين).. اما الـ (7) مليارات المتبقية والتي قد تتزايد الى الضعف نتيجة لطول مدة المشروع (8) سنوات والتغيرات التي ستطرأ على الاسعار وعلى تكاليف تأهيل الشبكة و البنية التحتية، فليس هناك توضيح من أين ستأتي. وهل هي قروض بضمانة الاردن؟ أم شركات عالمية ستكون شريكة في المشروع؟ ومن يضمنها؟ وعلى قائمة ديون أي دولة سوف يتم تسجيلها؟ ومن يتحمل فوائدها والتزاماتها؟ وأكدت الهيئة ان المشروع باعتباره مشروعا سيادياً ستكون فيه السيطرة للدولة الاردنية. ولا نستطيع ان نفهم كيف ستكون السيطرة للدولة الاردنية اذا كانت مساهمتها (1) مليار دولار فقط من أصل 10 أو 12 أو ربما 15 مليار دولار بينما سيساهم الاخرون بـ (9) مليارات دولار أو أكثر. من هم اولئك الذين سيدفعون (9) مليارات أو أكثر مقابل (1) مليار ولا تكون لهم السيطرة؟
ومرة ثانية يقول رئيس الهيئة ان “الاردن سيكون مصدراً للوقود بالنسبة للدول المجاورة”. هل اصبحنا منتجين للوقود النووي حتى نكون في موقع المصدر؟ كيف ومتى؟ وما هي اقتصاديات الانتاج؟ ونحن نعلم ان الوقود النووي ليس هو اليورانيوم الخام ولا هو الكعكة الصفراء.. وانتاج الوقود يتطلب تخصيب اليورانيوم وهي التكنولوجيا المحتكرة سياسيا واستراتيجيا وتكنولوجيا لدى عدد محدود من الدول.. هذا الخلط بين اليورانيوم الخام، والوقود النووي ،ومحطة الكهرباء النووية، وهي مواضيع مختلفة كلية الواحد عن الآخر.، تماما كاختلاف استخراج النفط الخام ،عن التكرير للحصول على الديزل ،وعن صناعة السيارات، خلط لا نجد له تفسيراً أكثر من الإصرارعلى الترويج عن طريق التبسيط والتعميم. ويقول رئيس الهيئة “ان الدولة الاردنية تستورد خمسة ملايين طن من الوقود الثقيل والديزل لانتاج الكهرباء، والصحيح انها تستورد لغايات الكهرباء فقط 3.5 مليون طن. أما كلفة الوقود النووي فقد تتعدى 150 مليون دينار سنوياً لتشغيل المفاعلين وليس (50) مليون يضاف اليها تكاليف التشغيل الاخرى، اضافة الى كلفة رأس المال والتي ستتعدى في حدها الادنى (700) مليون دولار سنويا.. وبالنسبة للمياه فلم يوضح رئيس الهيئة و للمرة العشرين من أين ستأتي المياه في حالة الطوارئ و الأحداث الكبيرة ،وماهي الكلف الاضافية المترتبة على ذلك.
المسألة الثانية: هي التوجه نحو انشاء سوق لأسهم الشركات المتعثرة . وهنا لابد من التوقف للتفكير في صحة هذا التوجه. الأساس ان لا تبقى الدولة في موقف المتفرج ازاء الشركات المتعثرة ،ولا تنتظرها لتذهب الى اي مصير. أولاً لأن هذه الشركات بموجوداتها وخبراتها هي جزء من الثروة الوطنية. وثانياً: أن هذه الشركات تعطي فرص عمل تعد بالالاف، والوطن والشباب خاصة بأمس الحاجة اليها. ومن هنا ،فإن المطلوب قبل أي شيء آخر ان تتدخل الدولة لمساعدة هذه الشركات على الخروج من عثراتها، سواء كانت مالية او تكنولوجية او تنافسية، لا ان تهملها، وتتركها بين أيدي المضاربين. ان السوق المقترحة ،اذا ادرجت فيه الشركات المتعثرة دون ان يتم انقاذها ومساعدتها على الخروج أولا واستعادة وضعها الصحيح، يشبه حالة بيع الموجودات “خردة” بدلا من انفاق القليل على صيانتها واعادتها للخدمة. وفي ظل الظروف التي تمر بها المنطقة فمن المحتمل اذا اصرت الحكومة على البيع قبل الاصلاح وقبل الانقاذ، ان نجد خلال سنوات قليلة ان عشرات الشركات الوطنية قد بيعت “خردة” بأبخس الاثمان لمالكين من خارج الوطن دون مبرر، وبكل ما يحمل ذلك من مخاطر وأضرار. لتتقدم الحكومة وتشكل لجاناً متخصصة بالتعاون مع الشركات وغرف الصناعة والاتحادات النوعية والبنوك والخبراء لوضع الخطط لانقاذها و إعادة تشغيلها. فذلك دعم للاقتصاد الوطني وتشجيع للمستثمرين. أما بيع أسهم الشركات وهي في ادنى مستوياتها فإنه تفريط خطير في الثروات الوطنية، وعملية هدم في الإقتصاد.
المسألة الثالثة: وهي انشاء شركة لادارة الشركات التي تساهم فيها الحكومة. والسؤال ما هي مسؤولية هذه الشركة؟ وهل ستكون بمثابة شركة قابضة ؟وما هي السياسات والضوابط التي تحكم أعمالها، وتحكم تشكيل مجالس ادارات الشركات وشروط تعيين ممثلي الحكومة فيها؟. و على مدى السنوات و حتى هذه اللحظة ،كانت المكافأة، والاسترضاء، والعلاقات الخاصة ،هي المحركات الرئيسية للتعيين في مجالس الإدارات في أكثر الاحيان، و نادرا ما كانت الكفاءة والخبرة و العلم و القدرة على العطاء و الأهلية وراء التعيين. وهذا ادى الى تراجع الشركات ، و غياب الدور الفاعل لممثلي الحكومة. أما الخيرة الفعلية اما المعرفة المهنية اما القدرة على المساهمة في دفع الشركة الى الامام فلم يكن في يوم من الايام من معايير التعيين. وسنعيد ما قاله الملك الراحل الحسين حين قال “إنه اقل كلفة على الاقتصاد الوطني ان تخصص الحكومة مبلغا من المال للمكافآت والاسترضاء وتعطي من المكافآت ما تشاء ومن تشاء، ولكن تلتزم بتعيين أصحاب الكفاءة و العطاء” .بمعنى أن تعمل الحكومة أو شركتها الجديدة على تعيين اعضاء مجالس ادارة مؤهليين مسؤولين مساءلين قادرين على وضع السياسات ورسم البرامج ومتابعة التنفيذ وتطوير العمل. وفي خلاف ذلك فإن الحكومة تمنح مكافآت استرضاء من صميم الثروات الوطنية وتترك رأسمالها يتناقص يوماً بعد يوم،و تحرم أجيال المستقبل من بعض حقوقهم.